الانتخابات الرئاسية بدأت، سمعنا عن أسماء أعلنت عن عزمها الترشّح، لكننا لم نرَ برامج. البرامج غائبة فى مقابل حضور فكرة «الإنقاذ». كل الأطراف المحتمل ترشّحها تحدّثت عن مسألة «إنقاذ مصر». المسألة بالنسبة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى مفهومة. فأنصاره دائبو الحديث عن الدور الذى لعبه فى إنقاذ الدولة المصرية من السقوط على يد الإخوان، والخطاب الرئاسى ذاته يركز على هذا الطرح على مدار ما يقرب من 4 سنوات. الأسماء المحتملة الأخرى داخل بورصة الانتخابات تحدّثت هى الأخرى عن «الإنقاذ». كلٌّ من وجهة نظره. فكرة الإنقاذ حاضرة بقوة فى خطاب اسمين محتمَلين للترشّح، هما سامى عنان وخالد على.
غياب البرنامج وحضور فكرة «الإنقاذ» يعنى ببساطة أن اللعب على أعصاب المواطن أكثر منه على عقله. «مناخ الإنقاذ» يفترض وجود مجموعة من المقدّمات التى تسعى إلى ترسيخ إحساس لدى المواطن بأنه فى حالة غرق، وأن عليه أن يختار من بين الأيدى التى تمتد لإنقاذه اليد التى تستطيع انتشاله وإخراجه مما هو غارق فيه بأعلى درجات الأمن والسلامة. الانتخابات الرئاسية المقبلة تعبّر عن حالة تتم صناعتها يشارك فيها المتنافسون المحتمَلون فيها، وكذا الأطراف المساندة لهم. وجه الخطورة فى هذه الحالة أن بمقدورها أن تتسبّب فى الإحجام عن المشاركة. ومؤكد أننا جميعاً نسعى لأن تخرج الانتخابات المقبلة بالشكل الذى يليق بمصر، وأحد جوانب اللياقة يرتبط بنسبة المشاركة.
أخشى أن تكون هناك مشاعر تتشكل لدى المواطن بأنه أمام مشهد ابتزاز. الناخبون لا يتحرّكون بالابتزاز، بل بالإرادة والقناعة. والمراهنة على أن الآلة الإعلامية قادرة على حشد الناس ودفعهم إلى النزول والتزاحم على لجان الانتخابات ليست فى محلها. الإعلام يمكن أن يدعم اتجاهاً قائماً فى الشارع، لكنه لا يستطيع صناعته أو إيجاده من عدم. الإعلام بدأ رحلته فى الحشد، لكن المتابع لحركة الشارع يلاحظ أن الناس تتعامل بقدر لا بأس به من اللامبالاة. الإعلام فى مصر 2018 ليست له نفس القدرات التى كان يتمتع بها فى 2014. والسبب فى ذلك عملية الابتزاز التى مارسها على الجمهور، حين حاول ترسيخ فكرة «المنقذ» تلك. ولو أنك أنعشت ذاكرتك ببعض تفاصيل المشهد الإعلامى -وأقول المشهد الإعلامى، لأن المشهد السياسى فى حالة خمول- فستقفز أمامك صور بعض الإعلاميين الذين لم يتورّعوا عن تقديم أنفسهم كمنقذين للبلاد والعباد من مجموعة من الأشباح الغامضة. بعضهم يجلس الآن فى المنزل يبحث عن منقذ!.
لا خلاف على أن مصر تمر بفصل شديد الحرج والحساسية من فصول تاريخها، يصح أن تنتعش معه فكرة «المنقذ والإنقاذ»، لكن بشروط ثلاثة، أولها أن يشرح لنا من يتبنى هذا الطرح إجراءات أو كيفية الإنقاذ، وثانيها أن يتم ذلك دون ابتزاز للمواطنين، وإفراط فى الحديث عن أن المجموع سيضيع إذا لم يختَر المنقذ، لأن هذا الشعب يعلم أنه مستعصٍ على الضياع. وأهم درس تعلمه من تاريخه أن أسهل شىء بالنسبة له القيام بعد الانكفاء، ولملمة نفسه بعد بعثرتها. وثالثها أن تمتلك الأجهزة المروجة لفكرة الإنقاذ -مثل أجهزة الإعلام- المصداقية لدى الجمهور. ومن المؤسف أن نقول إن كثيراً من المواطنين ينظرون إلى «إعلام اليوم» كجهاز كبير لصناعة الكذب. المواطن يريد مشهد «انتخاب طبيعى».