الأخبار
ابراهيم عبد المجيد
هل الدين هو الهوية ؟
الدين باختصار ليس هوية أمة من الأمم في أي عصر ولا أي مكان. الإنسان القديم الذي كان وحيدا أعزل أمام طبيعة قاسية متقلبة وحيوانات مفترسة ضارية فطن إلي أن هناك قوة أخري أكبر منه ومما هو حوله بل وخالقة لهذا كله وضامنة لوجوده ومن ثم فهو إله. ولأن الإنسان الأول، البدائي علي الإجمال، محدود القدرات العقلية وقدرته العقلية تشخيصية مثل قدرات الأطفال، وليست تجريدية، اختار إلهة من المخلوقات الأخري المحيطة به أو من الظواهر الطبيعية فوق الأرض التي رأي فيها القوة أو العطف لذلك تعددت الآلهة بحسب المكان الذي يعيش فيه. طيب إذا كان الأمر كذلك فلماذا أصبح الدين مشكلة ولماذا لا يصلح أساسا للهوية في أي مكان.
الإنسان وهو يمارس حياته علي الأرض وجد في الدين قوة عظيمة للأخلاق، لكنه وجد أنه يستطيع به أيضا أن يحقق الكثير من أهدافه. أي يمكن أن يستغل الدين نفسه في سعيه علي الأرض ويحوله من وازع أخلاقي إلي طريق للثروة أو السلطة وسأضرب هنا مثالين قديمين الأول هو ما فعله إخناتون والثاني هو ما فعلته الكنيسة في العصور الوسطي. كانت ثورة إخناتون هي أول ثورة علي تعدد الآلهة علي الأرض. وأول دعوة إلي إله واحد، وإخناتون لم يكن رجل دين، بل كان ملكا، فرعونا. هو أمنحتب الرابع الذي تولي عرش البلاد عام 1370 ق.م. خلفا لأبيه أمنحتب الثالث. لم يكن لدعوته إلي التوحيد معني ديني فقط، لكنه رأي أن تعدد الآلهة أعطي كهنة المعابد قوة استخدموها بدورهم من أجل الثروة والجاه، وبلغ بهم الأمر من القداسة أن صاروا يقدمون للناس التعاويذ السحرية التي تنجيهم من حساب الآخرة وتضمن لهم الفوز بالنعيم فيها والنفاذ من العقاب. لقد صار للأمور الدينية عمال وموظفون وحرفيون صارت لهم قوة روحية ومادية فكان التوحيد ضربة قاصمة لهؤلاء جميعا، فلم يعد بوسع الكهنة بعد ذلك الانفراد بالأموال المربوطة علي القرابين في المعابد ولم يعد للصناع فرصة لبيع التعاويذ التي اعتادوا علي بيعها أمام المعابد ولا تماثيل الآلهة المختلفة، أوزوريس وآمون ورع وغيرها ولم تعد هناك تجارة لشواهد الجبانات التي تحمل صور الآلهة او نقوشها. لقد ظهر في مصر دين جديد إلهه هو الشمس »آتون»‬ لا يحتاج إلي كل هذا ولا إلي هذه الأشكال القديمة من المعابد ولا إلي هذا التشخيص للآلهة.
حدث ذلك مرة أخري وبشكل لافت ومثير إبان العصور الوسطي في أوروبا المسيحية هذه المرة. لم يعد الآن ممكنا العودة إلي تعدد الآلهة في البلاد التي آمنت بالرسائل السماوية، وطال العهد بالديانة المسيحية واختلطت علوم الدين، اللاهوت، بعلوم الدنيا، خاصة الفلسفة الأرسطية وبعض الأفكار اليونانية في العلوم خاصة مركزية الأرض وتعاظم نفود الكنيسة الكاثوليكية واتحدت رموز الكنائس مع رموز الإقطاع في الحفاظ علي ثبات المجتمعات وركودها. أنشأت الكنيسة عام 1542 ما عرف بمحاكم التفتيش بواسطة بابا روما بولس الثالث ليوقف حركات الإصلاح ويراقب الطباعة والنشر ووضعت قوائم للكتب الممنوعة وللأفكار الممنوعة عام 1588 وصار لهذه المحاكم قوانين صارمة ووصفت الافكار الإصلاحية في الدين والأفكار الحرة في العلوم والفلسفة بالهرطقة التي عقوبتها الإعدام. وأعدم المفكر الإصلاحي جيوردانو برونو قبل أن يظهر لوثر وتعرض كوبرنيكوس للمحاكمة لقوله بدوران الأرض حول الشمس وكروية الأرض واحتلت محاكمة جاليليو مكانا مهما في التاريخ لأهمية اكتشافاته ولاضطراره أن يتراجع عن هذه الاكتشافات، في الوقت الذي ظلت فيه الكنيسة في الثراء وظل فساد الكهان وبيع المناصب الدينية وبيع صكوك الغفران وأحرقت كتب مفكر إصلاحي مثل مارتن لوثر كلها لكن لا حرق الكتب ولا المفكرين ولا المحاكمات وقفت أمام الفكر الحر وحركة المجتمع. كل ما جري أن هذه المحاكم عطلت تطور المجتمعات الأوربية كثيرا لأنه علي الجانب الآخر كان نمو البرجوازية يتعاظم وحركة الكشوف الجغرافية تتسع وكان مجتمع جديد يتخلق ويريد قوانين جديدة ترفع شعار الحرية وتحد من سلطة الكنيسة وبدا عصر التنوير يقوده فلاسفة أمثال فولتير وروسو وديدرو وانطلقت الثورة في فرنسا عام 1789 وانتهي عصر الإقطاع في أوربا وسيطرة الكنيسة علي الحياة الاجتماعية والفكرية والسياسية وأعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله ووجدت المذاهب الدينية الجديدة مكانا لها فاستقرت البروتستانتية في إنجلترا وألمانيا وعاد الدين مرة أخري إلي مكانه. الضمير والأخلاق وتقدمت المجتمعات الأوربية بفعل عوامل كثيرة ليس من بينها الدين الذي عاد ضميرا شخصيا. هل تحتاج إلي مثال جديد من عصرنا ؟. لا أظن. يكفي ما تراه حولك في عالمنا العربي من حروب ترفع راية الدين من أجل الثروة والحكم مهما قالت غير ذلك.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف