عادتنا ولن نشتريها لا نتحرك إلا بالأمر أو بالأدق تحت الضرورة القصوي أي مضطرين ولا فرار.. هكذا حدث كثيرا ويتكرر دون أن نتعظ أو حتي نعترف بالحقيقة.
قطعا لم يكن أحد سيثير قضية سرقة غرفة نوم الملك فاروق رغم أنها سرقت منذ 2013 واستبدلت بأخري بديلة اشتريت من محلات عمر أفندي ولولا إعلان دار مزادات أمريكية عن عرضها للبيع بمبلغ يقارب المليون دولار ما كنا قد عرفنا شيئا وكنا في أغلب الظن سنعتقد أنها ربما عادت وربما لم تأت بعد وربما تكون في كنف أحد القصور الملكية الفخمة المنتشرة في مصر أو تحت حوذة وزارة الآثار.
حسنا فعلت لجنة الثقافة والإعلام والآثار بمجلس النواب بإعلانها أنها ستطلب معلومات رسمية من وزارتي الآثار والزراعة، معلومات رسمية حول ملابسات سرقة غرفة نوم الملك من استراحته في حديقة الحيوان، وبيعها في مزاد علني.
يقال إن السرقة حدثت إبان ثورة يناير عندما شهدت البلاد حالة من الفوضي حيث سُرق المتحف المصري بوسط القاهرة وعدد من المتاحف الأخري، لكن أليس هذا نتيجة إهمالنا لآثارنا وهناك آثار مصرية مهربة تملأ الدنيا كلها ونفاجأ كل يوم باستعادة أجزاء منها إلي الوطن.
بلاغ المحامي عمرو عبد السلام برقم 823 لسنة 2017 عرائض، للمستشار نبيل صادق النائب العام للتحقيق في الواقعة ليس كافيا ويجب علي الدولة القيام بدورها في استعادة الغرفة التي تعتبر أحد ملامح التاريخ فأليس الملك فاروق جزءا من تاريخ مصر ولماذا لم توضع في متحف ليراها الشعب من منطلق اعرف بلدك وأليس الإهمال في التعامل مع آثارنا ومقتنيات رموزنا يستحق المساءلة.
هناك في شارع ستة وعشرين يوليو علي منزل كوبري مايو المواجهة لمنطقة وكالة البلح متحف علاه التراب المتحف اسمه متحف المركبات الملكية لم يسمع عنه أحد وترك لسنوات يعلو التراب وكأنه مهجور ولم نكتشف أنه متحف إلا عندما بدأت عملية تطوير مثلث ماسبيرو حيث سارعت الجهة المسئولة عنه لإعادة طلائه حتي لا يدخل ضمن أعمال التطوير، أي من منطلق وضع اليد فقط لا غير فأين كانت هذه الجهة طوال هذه السنوات ولماذا تركته هكذا مهجورا تسكنه الغربان؟
مقدم البلاغ للنائب العام طالب بفتح تحقيقات عاجلة وموسعة لتحديد المسئولية الجنائية للمتورطين في سرقة غرفة النوم الملكية وتهريبها خارج البلاد عبر الموانئ المصرية وإحالتهم إلي المحاكمة الجنائية العاجلة واتخاذ كافة الإجراءات القانونية ومخاطبة وزارة الخارجية الأمريكية لاسترداد غرفة النوم الملكية المسروقة طبقا للاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية التراث والآثار.. وكان من المفترض أن تبادر الجهات المختصة بإجراءات إعادة غرفة نوم الملك دون انتظار لبلاغات أو دياوله فهذه مسئوليتها في حماية آثار بلادها أم نحن ننتظر أن يشتريها زيد أو عبيد ويعود ليتعطف علينا بإهدائها للشعب المصري.
أنا هنا لا أدافع عن حقبة زمنية أو عصر حكم بل يجب أن يكون هذا ديدننا في حماية تراثنا وآثارنا بغض النظر عن رؤيتنا أو أحكامنا حول هذه العصور فنحن هنا ليس في حصة سياسة بل نحن في حصة كيفية الحفاظ علي تراثنا فالكاتبة لميس جابر قالت في لقاء فضائي إن الغرفة لا تنتمي للملك فاروق بل للخديو إسماعيل، الذي أنشأ حديقة الحيوان بالجيزة واستراحة العائلة الملكية بالكامل.. وتابعت »الواحد خايف علي الهرم وكل حاجة ممكن، ومن المؤسف أن مفيش حد بيتحاسب».
هذا هو حال الشعب الذي غضب بشدة لشيء سرق من تراثه ويعرض للبيع في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن ما يثير العجب هو ما قاله د. مصطفي أمين مساعد وزير الآثار للشئون الفنية، إن غرفة نوم الملك فاروق المعروضة للبيع في أمريكا، والتي اختفت من استراحة الملك فاروق من حديقة الحيوان في ٢٠١٣، ليست مسجلة في عداد الآثار علي الإطلاق.. وتابع إن مبني استراحة الملك فاروق تم تسجيله عقب ٢٠١٣ أي بعد حادث اختفاء غرفة نوم، لافتاً إلي أن المسئول عن غرفة النوم الجهة التي كانت في عهدتها ووزارة الآثار ليست لها أي علاقة.. والسؤال الآن: أليس الملك فاروق كان ملكا لمصر أم لغيرها من الدول وأليس هذا تراثا يجب أن نحافظ عليه وإذا كانت الغرفة عند واقعة السرقة كانت في حوذة وزارة الزراعة فلماذا لم يحاسب مسئولوها عما حدث؟.
أجدادنا العظام كانوا كرماء معنا إلي أبعد حد وتركوا لنا ثلث آثار العالم وأقل واجب تجاههم أن نحافظ علي تراثهم.. تلك هي المسألة.