د. حماد عبد الله حماد
علاقة الفقر والأمية «بالرغى»!
علاقة الفقر بالتليفون المحمول (علاقة غريبة جدا) حيث نجد من العامة فى الشارع المصرى ممن (يتظاهرون) بقلة الحيلة أو التسول فى بعض الأحيان، لكن الغريب فى الأمر أن بيده (محمولا) وعلى (أذنه) يسمع ويتحدث ولا ينقطع الحديث وأنت تراقبه فى استغراب.
غريب أمر هذا الجهاز الذى دخل حياتنا وغريب جداً أن نعيش بدونه كما أنه الأكثر غرابة أنه كيف كنا نعيش بدونه؟ هذا الجهاز المسمى (المحمول) أو (الجوال) أو الموبايل شىء مثير جداً وشىء ضرورى، وشىء مثير كما أنه بجانب نفعه الشديد يتميز بصفة «قلة الذوق» و«قلة الأدب» – وهدم لمبدأ الخصوصية التى يتمتع بها الإنسان وبجانب هذا كله فهو أكبر مستنزف لموازنات الفرد، والأسرة والمجتمع بل الأكثر من ذلك هو محرك رئيسى فى اقتصاديات الوطن أى وطن!
ولعلى لا أكون مبالغاً إذا قلت إن أكثر الناس استخداماً لهذا الجهاز وقد استنزف ميزانيات وهدد اقتصاديات الأسرة هم الشعوب النامية والفقيرة بالذات ولا أعلم ما هو الارتباط بين الفقر والأمية «والرغى» عبر التليفون المحمول هذا الجهاز الشيطانى الذى لا يحترم خصوصية ولا يحترم انفراد الإنسان بنفسه هو نافذة للغير على الآخر بطريقة أصبحت غير آدمية وتخلوا من الإنسانية!
قبل عام 1996، خاصة فى مصر، كنا نسمع عن هذه التكنولوجيا الجديدة وكان التليفون الأرضى، شيئا يسعى للحصول عليه «بالدور» كل المصريين الذين لم يسعدهم الحظ للحصول على خط تليفون وكانت الواسطة والرشوة فى بعض الأحيان هى الوسيلة الوحيدة لكى تأخذ دوراً فى قائمة الانتظار على تركيب خط تليفون فى المنزل أو العمل ثم جاء تليفون السيارة والذى وصل عددهم إلى 2500 خط «فقط ألفان وخمسمائة» خط فى كل المحروسة وكان يباع الخط داخل السيارة بأغلى من ثمن السيارة نفسها وكان ينقل من داخل السيارة فى صندوق متنقل كبير يصل حجمه إلى حجم حقيبة سفر (سامسونيت) لكى يحوز المستخدم على خط تليفون متنقل من السيارة إلى أى مكان يذهب إليه وحتى مجىء هذا المحمول إلى مصر بمناسبة انعقاد مؤتمر دولى فى مصر تحت عنوان «دافوس» الشرق الأوسط وشمال أفريقيا واستعدت مصر لاستقبال مئات من المشاركين فى هذا المؤتمر من كل أنحاء العالم وبصفته مؤتمراً للقمة الاقتصادية وسعى الإدارة المصرية لإدخال هذه التكنولوجيا الحديثة فى الاتصالات، لكى نواكب العالم المتحضر حتى يسهل إنهاء الأعمال وتقريب وقت اتخاذ قرار فى عمل أو فى صفقة أو الاتفاق على موعد ملح ومهم وخلافه من عناصر ضرورة الاتصال ولكن سرعان كعادة المصريين أصبح الموبايل يستخدم فى «الرغى» دون فائدة وأصبح أهم من ساندويتش «الهامبرجر» و»البيتسا» التى غزت أسواق الطعام السريع فى المحروسة فى ذلك الوقت أيضاً!
أصبح المحمول مع الطعام سريع الإعداد هما سمة هذا العصر والمجتمع واندثر التليفون الأرضى وأصبح لا قيمة له واستنزف هذا المحمول كل ما نمتلك من قليل أو كثير من مال وكان بيع المحمول من الحكومة (وزارة الاتصالات) إلى شركة قطاع خاص مشوب بكثير من الظلال التى أشيعت عن شبهة فساد لم تستطع أجهزة الرقابة الشعبية (مجلس الشعب) وغيره من أجهزة أن تثبته أو تدين عملية خصخصة هواء مصر فى أول صفقة لبيع التليفون المتنقل أو الجوال ولكن لا شك بأننا كمصريين كان حالنا أحسن كثيرا بدون هذه المصيبة الجديدة فى حياتنا والمسمى بالاتصال عبر المحمول والذى لا نستطيع أن نستغنى عنه رغم مصائبه النفسية والمادية اليومية!
وغداً شيء جديد ومصيبة جديدة وأحمال كثيرة على اقتصاد الأسرة المصرية فالشركة الواحدة (المحمول) أصبحت ثلاثا، وانتقل الصوت الى الصورة والفضائح أكثر والمطبات أصعب ومازلنا فى تقدم إلى مستوايات أخرى من إنهاء خصوصية الإنسان وتفرده مع نفسه!