عبد الفتاح الجبالى
سعر الفائدة والشمول المالى
يثار فى الآونة الحالية الحديث عن ضرورة خفض سعر الفائدة السائد حاليا وذلك بعد أن أشار تقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء إلى تراجع معدل التغير فى الأسعار على أساس شهرى بنسبة 0.2% ووصوله على أساس سنوى الى 22.2% مع ملاحظة أن معدل التضخم خلال الفترة من يناير إلى ديسمبر 2017 مازال مرتفعا حيث يبلغ 30.7%. ومن المفارقات أن هذا الحديث يتزامن مع حملة إعلانية وإعلامية تهدف الى توسيع نطاق التعامل المصرفى فيما اصطلح على تسميته الشمول المالى والهادف الى تيسير الوصول إلى واستخدام وتقديم المنتجات والخدمات المالية الرسمية الى مختلف الشرائح فى المجتمع، بأسعار معقولة وبعدالة وشفافية بدلا من الحصول عليها من خلال القنوات غير الرسمية. وهكذا يسعى النظام الى توسيع نطاق العمل المصرفى ليشمل كل الفئات والسكان مثل سكان الريف والفقراء والمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر ودمج القطاع غير الرسمى فى الاقتصاد الرسمي. وقام البنك المركزى برفع معدل الفائدة بنسبة 7% منذ 3 نوفمبر 2016 عند تحرير سعر الصرف وحتى الآن فى محاولة منه لمحاربة التضخم وحماية الجنيه المصري، وهو ما دفع ببعض البنوك إلى اصدار بعض الأوعية الادخارية بمعدلات فائدة مرتفعة تراوحت بين 16% و20% وهو ما حملها بأعباء عالية وبالتالى بدأت هذه البنوك فى إعادة النظر فى هذه الشهادات خاصة مع تجاوزها المبالغ التى كانت تسعى لاستقطابها من السوق لتقليل نسبة السيولة والحد من التضخم.
لذلك يدور الحديث حول ضرورة خفض سعر الفائدة الحالي، حتى نتمكن من تنشيط الاقتصاد القومى وينطلق أصحاب وجهة النظر هذه من فرضية أساسية مفادها أن هناك علاقة سببية مباشرة بين أسعار الفائدة وحركة الاستثمارات فى المجتمع، وهو ما ينشئ صلة مباشرة بين السياسة النقدية وسلوك القطاع الخاص الاستثماري. ويرون أن البيئة قد أصبحت مهيأة تماما لهذه العملية وهو ما يجعل هذا الأمر أكثر سهولة ويسرا عن ذى قبل. ويرى هؤلاء أن أسعار الفائدة الحالية ما هى إلا دعم مستتر يقدمه المجتمع للمدخرين على حساب تمويل النمو فى المستقبل. وبالتالى يجب إعادة النظر فى هذا المعدل المرتفع فى ضوء استحالة تمويل معدل نمو معقول فى ضوء معدل الفائدة الحالي. وينطلق أصحاب هذا الرأى أساسا من كون أسعار الفائدة تمثل نفقة الاقتراض بغرض الاستثمار ومن ثم فان خفضها سوف يترتب عليه زيادة كمية النقود، الأمر الذى من شأنه تشجيع الاستثمار ومن ثم زيادة الإنتاج. وذلك عن طريق انتقال أثر التغير فى كمية النقود إلى الاقتصاد الحقيقي، إذ تؤدى السياسة التوسعية إلى زيادة الإنفاق على الاستثمار, كذلك فان تخفيض الفائدة يقلل من أسعار الاستهلاك الجارى بالقياس إلى الاستهلاك فى المستقبل، بحيث يكون من المتوقع ارتفاع الطلب على الاستهلاك الحالى وذلك على حساب المدخرات الخاصة. ونتيجة لذلك يرتفع الإنفاق الخاص على كل من الاستهلاك والاستثمار وتحدث زيادة عامة فى الطلب الكلى يمكن ان تؤدى بدورها إلى انتعاش الاقتصاد.
والسؤال إلى اى مدى تنطبق هذه الفرضية على الواقع الاقتصادى المصري، أى هل يلعب سعر الفائدة دورا مؤثرا وأساسيا عند اتخاذ القرار الاستثمارى فى مصر؟ وما هو الثقل النسبى لهذا السعر مقارنة بجميع العوامل الأخرى المحددة للقرار الاستثماري؟ وقبل الإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها لابد لنا من العودة الى التذكير ببعض البدهيات التى لا مناص منها عند الحديث فى هذا الموضوع الشائك، خاصة أن الأسس النظرية والموضوعية لأى قرار هى المعيار الأساسى للحكم على مدى نجاعته للاقتصاد القومي. فإذا كانت أسعار الفائدة تؤثر على جانب العرض لأنها تؤثر على حجم الاستثمار ونوعيته وبالتالى التأثير على حجم الاقتراض وتوزيعه بوصفه عنصرا من عناصر التكلفة، ومن ثم على نمو الإنتاج. فإنها تؤثر أيضا على حجم الطلب الكلى عن طريق التأثير فى حجم الاستهلاك الجارى ومن ثم الادخار. لذلك يعتبر سعر الفائدة ومستواه الملائم من الموضوعات والقضايا المهمة التى يجب البحث فيها بدقة وموضوعية. من هذا المنطلق يلاحظ المتتبع لمدخرات القطاع العائلى أن معدلاتها فى تناقص مستمر، سواء داخل الجهاز المصرفى أو توفير البريد وشهادات الاستثمار، هذا فضلا عن ارتفاع معدلات الاكتناز والاستمرار فى تفضيل التعامل النقودى عن التعامل المصرفي. وهنا تشير المؤشرات الإحصائية الى العديد من الظواهر من أهمها ارتفاع نسبة النقد المتداول خارج الجهاز المصرفى فى هيكل السيولة المحلية جنبا الى جنب مع انخفاض نصيب الودائع المصرفية مع الاخذ بالحسبان ان هذا التراجع يرجع الى الزيادة فى الودائع بالعملات الأجنبية نتيجة للتغير فى سعر صرف الجنيه المصرى وهو ما أثر بدوره على التوزيع النسبى لمكونات السيولة المحلية. هذا فضلا عن انخفاض النقد المتداول من العملات فئات العشرين جنيها والفئات الاقل، مقابل الزيادة الكبيرة فى العملات فئتى (مائة جنيه ومائتا جنيه).
وبالتالى فعند تناولنا لقضية سعر الفائدة يجب دراسة كل من التأثير على معدلات الادخار وتلك الخاصة بالاستثمار لمعرفة سعر الفائدة التوازنى الذى يجب أن يسود بالأسواق ويحقق الهدفين معا. وإذا كان تحقيق مستوى مرتفع للنمو الاقتصادى يتطلب إحداث زيادات منتظمة فى رأس المال وكذلك فى فاعلية استخدامه، فان ازدياد حجم الاستثمارات لن يكون قابلا للاستمرار الا إذا تحقق بشكل ينسجم مع وجود وضع اقتصادى سليم وبيئة استثمارية مناسبة. وهو ما يتطلب الاهتمام بتعبئة المدخرات المحلية.
وعلى الجانب الآخر هناك العديد من الآثار السلبية المحتملة لخفض الفائدة يجب العناية بها ودراستها حتى لا يحدث مالا يحمد عقباه فى الاقتصاد القومي. ويأتى على رأسها ان أسعار الفائدة المنخفضة قد تدفع المؤسسات والشركات الى المزيد من الاقتراض ليس فقط لتمويل الاستثمار الثابت، كما هو مأمول، ولكن أيضا لتمويل المخزون السلعي. وهى أحد الأسباب الأساسية التى تكمن فى فشل العديد من المشروعات. هذا فضلا عن أن خفض الفائدة يمكن أن يؤدى إلى قيام البعض، خاصة المدخر الصغير، بسحب جزء من ودائعه لدى الجهاز المصرفى إما للاكتناز أو للاستهلاك وهو ما يؤدى فى الحالتين الى تراجع حجم المدخرات المحلية. ومن ثم التأثير السلبى على النمو.