ذات يوم فوجئ أحد الفنانين بحاكم المدينة يستدعيه ويطلب منه أن يرسم له لوحتين: الأولى تصور الملائكة، والأخرى تجسد الشيطان فى أسوأ صورة بين البشر، فقد أراد الحاكم أن يزين جدران قصره بهاتين اللوحتين وطلب منه أن ينجزهما له قبل أن يموت.
وبعد بحث طويل وجد الفنان طفلا جميلا تكسو وجهه علامات الطيبة وتطل من عينيه البراءة فأجلسه أمامه وظل يرسم ملامحه وأبدع لوحة غاية فى الروعة والجمال.. فرح بها الحاكم فرحا شديدا وظل يسأله عن لوحة الشيطان، ولكن مرت الشهور والسنون وهو يبحث عن الشخص الذى يجسد الشيطان وظل على هذا النحو حوالى 40 عاما فاستدعاه الحاكم وعنفه لأنه يخشى أن يموت قبل أن يرسم له اللوحة المطلوبة، فخرج الفنان من القصر حزينا وبينما كان يسير فى شارع مظلم وجد رجلا فى العقد الرابع من العمر لم يستطع تحمل رائحته العفنة وشكله القذر وبشاعة نظراته ففرح به لأنه الشخص الذى يبحث عنه فهو تجسيد حقيقى للشيطان فى أقذر صوره فأجلسه أمامه وظل يرسم ملامحه بتركيز وبعد لحظات فوجئ بالدموع تنهمر من عينيه وهو يقول له أنا الطفل الذى جلس أمامك منذ أكثر من اربعين عاما وكان ملاكا فى نظرك.. لقد غيرتنى قسوة الحياة فتبدل حالى ووصلت الى ما أنا عليه الآن..
الى هنا انتهت الحكاية بالنسبة للحاكم والفنان والرجل الشيطان .ولكنها لم تنته بالنسبة لى فقد شعرت بـ «وجع« القلب، فمن الذى اغتال براءة الطفل وما الذى حوله ليصبح هذا الكائن البشع.
سبحان الله نحن نولد ملائكة ولكن الحياة تغتال البراءة وتسرق الابتسامة وتضرب الطيبة فى مقتل فيتحول البعض الى شياطين فى صورة بشر، كما حدث لهذا الطفل الذى لا أدرى إن كان هو »الجانى« أم مجنياً عليه.