تعيش مصر هذه الأيام الذكري السابعة لثورة يناير، وبهذه المناسبة أريد أن أناقش قضية مهمة، هي : هل يري المصريون أن التغيير لا يتم إلا عن طريق الثورة أم أن لهم رأياً آخر ؟
من الناحية الفكرية عرفت مصر في العصر الحديث نظريتين، الأولي هي نظرية جمال الدين الأفغاني، ومفادها أن التغيير لا يتم إلا بالثورة والعنف. لذلك نجده يخاطب الفلاح المصري مثلاً بقوله » أنت أيها الفلاح المسكين تشق قلب الأرض لتنبت ما تسد به الرمق، وتقيم أود العيال، فلم لا تشق قلب ظالمك ؟ لماذا لا تشق قلب الذين يأكلون ثمرة أتعابك ؟ »
النظرية الثانية : هي نظرية محمد عبده، تلميذ الأفغاني، وتقوم نظرية محمد عبده علي أن الإصلاح لا يتحقق بالعنف، بل بالتعليم، وزيادة الوعي، والتربية، ولهذا انضم للجمعية الخيرية الإسلامية التي كانت تهدف لنشر التعليم، وقدم مشروعاً لإصلاح التعليم في الأزهر، وتحمس بشدة لمشروع الجامعة الأهلية، وقام بمحاولات مع المنشاوي باشا، وهو أحد الأثرياء الوطنيين، ليتكفل بإنشاء الجامعة، ولولا وفاة المنشاوي باشا لأنشأ الجامعة فعلاً. المهم أن محمد عبده مات وهو يسعي لتحويل حلم الجامعة إلي حقيقة، ليكون العلم هو أساس التغيير.
وحين نتأمل تاريخ الثورات في مصر نكتشف أن فكر جمال الدين الأفغاني هو الذي انتصر، فخلال مائة واثنتين وثلاثين عاماً ( 1881 - 2013 ) قامت مصر بأربع ثورات ( ثورة عرابي، ثورة 19، ثورة يوليو، ثورة يناير، وامتدادها المتمثل في ثورة 30 يونيو )، وهذا معناه - نظرياً - أن المصريين يقومون بثورة كل ثلاثة وثلاثين عاماً في المتوسط. أما من الناحية الفعلية فنجد أن بين ثورة عرابي وثورة 19 مدة زمنية قدرها 38 عاماً، وبين ثورة 19 وثورة يوليو 33 عاماً، وبين ثورة يوليو وثورة يناير 60 عاماً، فإذا وضعنا في حسباننا أن ثورة 30 يونيو تلتها بعد عامين فقط، لوجدنا أن المتوسط يظل ثابتاً تقريباً.
إن هذه الثورات، بهذا المعدل، تشير إلي أن الشعب المصري يفيض بالحيوية، وبعد أن كان جمال الدين الأفغاني يصفه بأنه يرضي بالذل؛ نجد أن هذا الشعب قد تغير، واتخذ من الثورة سبيلاً للتغيير في العصر الحديث.