فهمى عنبة
الضحية القادمة للفساد .. من تكون ؟!
* نعلم ان الرقابة الإدارية لا تعلن عن قضية فساد إلا إذا كان لديها الأدلة موثقة بالصوت والصورة.. خاصة إذا كان المتهم يشغل منصبا رفيعا في حجم وزير أو محافظ أو نائبة محافظ.. لذلك تسرع وسائل الإعلام والفضائيات في الجري وراء من يقدم لها معلومات تدين هذا المسئول أو المسئولة وبالطبع هناك من يتطوعون للنيل من سمعته أو الثأر منه.
قد لا تهتم الصحف والبرامج بواقعة الفساد ذاتها ولا مغزي تصدي الدولة والأجهزة الرقابية لهذه القضايا والفائدة التي تعود علي المجتمع وحفظ الأموال العامة.. وربما لا تنظر أيضا إلي ان النشر يفيد المسئولين الآخرين حتي يتعظوا ويرتدع كل من تساوره نفسه بالافساد في الأرض فما حدث للمسئول الكبير عبرة لمن يفكر!!
تجري وسائل الإعلام وراء السبق وتحقيق نسب بيع أو مشاهدة أكبر عن طريق نشر ما تعتبره أسرارا وفضائح قد يكون منها الحقيقي أو غير ذلك.. ولكنها لا تضع احتمالاً ولو واحداً في المليون ببراءة هذا المتهم الذي من المفترض انه انسان برئ ولا يدان إلا بعد أن يقول القضاء كلمته!!
يفوت علي العاملين في الإعلام انهم ليسوا جهة تحقيق أو اتهام أو إصدار أحكام.. ومن المفترض عليهم ان ينتظروا "سواء في الصحف أو الفضائيات" حتي تنتهي التحقيقات تماما وتصدر المحكمة حكمها.. عندها يحق كشف كل الحقائق والملابسات وخبايا القبض علي الجاني وكيفية الايقاع به والمخالفات التي ارتكبها.. وفي هذا الوقت لن يلومها أحد حتي ولو قامت الجريدة أو البرنامج بالبحث في تاريخه وإخراج "السيديهات المخفية"!!
يكفي المسئول الذي تم إلقاء القبض عليه ما يلاقيه من ازدراء المجتمع والفضيحة التي تلازمه هو وأسرته ونظرة العاملين معه لحظة القبض عليه مما جعل بعضهم ينتحر هربا من الفضيحة.. فلا داعي لأن تساهم وسائل الإعلام في "تجريسة" أو زيادة جرعات التشفي والاهانة التي لن تصيب سمعته وحده ولكنها تدمر أسرته وأولاده وكل المحيطين به.. فماذا لو حكم القضاء بعد ذلك ببراءته أو حفظت القضية.. من سيعيد الكرامة والاعتبار لهؤلاء الذين تم اغتيالهم معنويا؟
بالطبع نحن لا ندافع عن الفساد ولا عن المفسدين بل إننا نطالب دائما بالضرب بيد من حديد عليهم خاصة وان الفساد أصبح مقنناً وعشش في كل الدواوين "وأخذ راحته" لمدة عقود وأصبحت الرشوة والمحسوبية من الأمور المعتادة مما يستدعي استمرار حملات الرقابة الإدارية في كل الوزارات والهيئات والمؤسسات بجميع محافظات مصر.
بعيدا عن وقائع قضية محافظ المنوفية التي تم الكشف عنها فقد انتهت محاكمات العديد من المسئولين الذين اتهموا في قضايا فساد بعد ثورة 25 يناير بأنهم غير مذنبين وغير مدانين بعد أن تم ذبح سيرتهم والخوض في شرفهم علي الصفحات الأولي وفي كل البرامج وعندما أعلنت براءتهم نشر الخبر علي خجل في ذيل الصفحات الداخلية أو علي شريط يمر سريعا ولا يقرأه أغلب المشاهدين!!
الذي لم يلتفت إليه أغلب الإعلاميين انهم حينما ينشرون الآن ما يدلل علي فساد محافظ المنوفية منذ سنوات طويلة.. هم بذلك يورطون من اختاره للمنصب ولذلك علي الدولة ان تفكر جيدا في وضع معايير للاختيار تقوم علي معلومات دقيقة عن تاريخ الشخص الذي يسند إليه أي منصب.. والأهم أين كانت وسائل الإعلام طوال فترة تولي المحافظ حيث كان عليها فضحه وهو في منصبه أم ان السكاكين تزداد دائما علي من يقع؟!
من الملاحظ إن تغييرات جوهرية حدثت للمجتمع الذي كان في مثل تلك الوقائع يشفق علي أهل المتهم ويحاول أن يستر فضح الكثير من الحقائق رحمة بهم من باب إنه لا تزر وازرة وزر أخري.. ولكن للأسف ما يحدث الآن هو التشفي وكأن هناك "ثأر بايت" ويتم عقاب الأبناء والأسرة كأنهم شركاء في الجريمة.. وأصبح حكم الناس أقسي ألف مرة من حكم القضاء.. وكأنه لا يكفيهم ما هم فيه!!
ليعلم كل مسئول إنه مهما تحايل علي القانون أو استطاع اخفاء مخالفاته.. فحتما سيأتي اليوم الذي يسقط فيه وينكشف خداعه لأننا في عصر لا يتستر علي فساد.. ولا يداري علي مسئول كبيرا كان أو صغيرا.. سواء أكان خفيراً أو محافظاً أو وزيراً.. فالأجهزة الرقابية لهم بالمرصاد وتكشف كل يوم عن قضية جديدة.. وفوق كل ذلك فإن عين الله ساهرة وهو سبحانه يمهل ولا يهمل!!
فليتق كل مسئول ربه فيما ولاه من مسئولية وفي مال الشعب المؤتمن عليه ويقوم بحراسته.. وفي سمعته وفي أسرته لأن كنوز العالم لن تعوضه عن الشعور بالمهانة يوم توضع "الكلبشات" في يديه أو يلقي في زنزانة لينال العقاب الرادع.. فماذا تعني الدنيا أمام نظرة عتاب وانكسار من أسرته وأبنائه وعائلته وقريته لأنه ألحق بهم الذل والعار لآخر العمر دون ذنب.
أصبح لزاما علي المجلس الأعلي للإعلام وهيئتي الصحافة والإعلام التدخل لضبط أداء الصحف والمجلات والفضائيات القومية والخاصة والحزبية وعدم الخوض في سمعة أي متهم في مختلف القضايا حتي تثبت إدانته.. ولا أدري هل يمكن صدور قرار من النائب العام لوقف النشر في أي قضية تمس السمعة والشرف والأمانة إلي أن يقول القضاء كلمته؟!
مطلوب من كل مواطن أن يتحمل مسئوليته ويساند الأجهزة التي تحارب الفساد بتقديم المعلومات لأنه المستفيد الأول كما ان هذه الأجهزة لن تستطيع اجتثاث جذور الفساد وحدها دون وقوف الشعب معها.
لن تتوقف الحرب علي الفساد خاصة وان الرئيس السيسي حريص علي وجود رجال الرقابة الإدارية في كل مكان ويراقبون كافة الوزارات والهيئات والشركات والمؤسسات والأحياء إلي جانب تواجدهم في المشروعات القومية يتابعونها بدقة وفي أي افتتاح لمشروعات جديدة يشاهد المواطنون اللواء محمد عرفان رئيس الرقابة الإدارية يعطي تقريرا مفصلا عن السلبيات والايجابيات لذلك فليحذر كل مسئول حتي لا يصبح هو الضحية القادمة التي يتساءل المصريون من تكون؟!