الوطن
د. محمود خليل
عفـريت يناير
سبع سنوات مرَّت على ثورة 25 يناير ولا تزال فكرتها راسخة فى الوجدان وأصداؤها راسخة على الأرض. لا يزال نداء «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية» الحاضر الغائب على ألسنة ملايين المصريين. لا تزال أصداء نزول المصريين ضد «التأبيد فى الحكم» ماثلة فى الدستور وفى الواقع لا يستطيع أحد الاقتراب منها. لا يزال التوجس من فكرة «نزول» المصريين من جديد الهاجس الأكبر فى عقل وأفئدة المسئولين الذين علمهم درس يناير أن هذا الشعب إذا أراد فعل، وإذا حكم قدر، وإذا قرر اندفع بكل قوته لإنفاذ ما يريد، دون أن يستطيع أحد إيقافه. لا يزال مشهد ملايين المصريين الذين تدفقوا إلى ميادين وشوارع القاهرة والمحافظات هو الرادع الأكبر لكل من يريد هذا البلد بسوء، بدءاً من إسرائيل وانتهاء بأدغال أفريقيا.

ثورة يناير قامت وغيَّرت أنظمة سياسية، لكنها لم تحكم. وذلك منطق الأشياء، وطبائع حركة التاريخ. عندما تقوم أى ثورة من الطبيعى أن يحاول الانتهازيون ركوبها. وقد حدث ذلك عام 2012، ثم اجتهدت قوى النظام القديم فى توظيف كل أدواتها فى سبيل تسييل الثورة وتذويب أثرها على الواقع، لكنها لا تزال تضرب كفاً بكف، وبعد 7 سنوات من الجهود المحمومة المتصلة لم تصل إلى شىء، والدليل على ذلك أن هناك مَن يجتهد بيديه وأسنانه فى تشويه ثورة يناير دون جدوى. فى كل الأحوال بانت الثورة مثل الشجرة المثمرة التى يلقيها أعداؤها بالطوب فتلقى ثمرها على الأرض.

يقول التاريخ إن كل الثورات التى قام بها المصريون هوجمت وشوّهت فى سنواتها الأولى، بل وظلت تهاجَم وتُشوه سنين طويلة، لكن أفكارها وآثارها بقيت على الأرض. وقيمة أى ثورة ترتبط بالتغيير فى أفكار البشر، وإحداث نقلة نوعية فى سلوكياتهم، أبرز مظاهرها «السعى إلى إصلاح الواقع» وتحدّى مَن يقف فى سبيل طموحهم نحو الإصلاح. عندما قامت الثورة العرابية عام 1882 اندفع الشعب إلى تأييدها والاصطفاف وراء زعيمها أحمد عرابى، وعندما انكسرت الثورة عسكرياً فى معركة التل الكبير، بالغ أعداؤها، وعلى رأسهم الخديو توفيق، فى تشويهها والنَّيل منها، وحتى يوم الناس هذا هناك مدّعون يزعمون أن ثورة عرابى هى السبب فى احتلال الإنجليز لمصر، وكأن الإنجليز لم يسعوا لذلك منذ حملة فريزر 1807. كانت النخبة الحاكمة والنخبة المثقفة تسب وتشتم عرابى وأتباعه، فى وقت كان الشعب يهتف فى الشوارع «يا توفيق يا وش القملة.. مين قالك تعمل دى العملة». والعملة التى عملها وش القملة تمثلت فى إفساح الطريق للإنجليز ليدخلوا مصر، حتى يمكنوه من التخلص من ثورة المصريين.

كل محاولات ابتزاز المصريين وإقناعهم بقبول مقايضات من نوع «الضغوط المعيشية خير من التحول إلى سوريا أو اليمن أو ليبيا» دليل على أن يناير ما زالت باقية وقادرة على إخافة الجميع. ربما كان مردّدو هذه المقايضات أكثر قناعة من «الينايرجية» أنفسهم بأن الثورة لا تزال فاعلة على الأرض، ويخشون هذا الشعب ويفهمون أنه يستوعب جيداً الفارق بين الحفاظ على الدولة، وهى مهمة أصيلة يعرف الشعب كيف يقوم بها.. والحفاظ على الحكم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف