هناك حملات كبري علي تراثنا الإسلامي ليست من غيرنا فقط بل صارت من أبناء جلدتنا، وديننا، لا لسبب معروف اللهم إلا السير في ركب من ينصب العداء لبلادنا، وتراثها وعقيدتها، واللافت أن الأمر يسير بخطي سريعة، وعنيفة ثقافيا، وإعلاميا، بل هناك قنوات خصصت أوقاتاَ حية - لبعض من هؤلاء المهاجمين لتراثنا باسم حرية الفكر، والتنوير المزعوم !. ومعلوم أن المحافظة علي التراث الفكري لأي أمة يعني: المحافظة علي هويتها، وتاريخها، وحضارتها، وعقائدها. وأمة بلا تراث كشجرة بلا ثمر، أو كجسد بلا روح، فهو جسد لكنه ميت لا يتحرك، وهذا ما يريده بنا الآخرون، وينفذ مخططاته من جعلوا أنفسهم عنهم وكلاء فرأيناهم يظهرون ويدَّعون أن تراثنا هو سبب تخلف بعض بلداننا، (وإنه أشبه بركام ميت، وأوراق صفراء)!.
لذا كان واجبا علينا أن نواجه هذه الخزعبلات بقوة وجدية، ونقوم بتحويل هذا الركام التراثي، والأوراق الصفراء كما يدعون إلي طاقة فعالة، وسارية في كيان أبناء الأمة، تؤثر فيهم، وتدفعهم إلي التقدم والتطور، والبناء، فالتقدم إلي الخلف أي الرجوع لتراثنا، وعلمائنا، واختراعاتهم السابقة ليس رجعية كما يفهم من لا ينصفون، بل هو عين التطور، وسر النهوض، ولو تم التخطيط الجيد بالرجوع إلي الخلف في كيفية إحياء تراثنا، ونفض الغبار عنه لنستفيد منه، ثم أخذنا ما جد من تقدم حديث مفيد، ونافع، وجمعنا بذلك بين الأصالة، والمعاصرة: لعكسنا الصورة التي يُراد لها أن تشوه، ولبينا لأبنائنا أن تقدم أوروبا، ونهضتها سببه بشهادة كبار مفكريها من أمثال: (ول ديورانت، وجوستاف لوبون، وكاريل، وجاك بيرك، ورينيه جينوا وجوته الألماني وغيرهم ممن التزموا بالموضوعية والإنصاف تجاه تاريخنا وحضارتنا وتراثنا) هي: هذه الكتب الصفراء حيث اطلعوا عليها، وتعلموا منها، وهي تملأ خزائن مكتباتهم الآن بعدما نقلوها لبلادهم في عهود الاستعمار،..، فلو كانت هذه الكتب التراثية لا قيمة لها لدي الأوربيين فلماذا نقلوها إلي بلادهم، وأوقفوا أموالا لترجمتها؟
هل هؤلاء لا يفهمون، ويوقفون أموالا لترجمة تراث عبثي يؤدي للتأخر لا التقدم. إن الحقيقة أكبر مما يتخيله وكلاء الغرب في بلادنا، فتراثنا هو سر قوتنا، ولذا وجب أن نتقدم حقا إلي الخلف لنتصفح هذا التراث، ونحققه، ونجعله مشروعا لتقدمنا إلي الأمام كما اتخذه غيرنا.
وهذا المشروع لا يتطلب تلقائية فردية إنما يتطلب تخطيطا علميا واعيا : يحمل عنوان : (مشروع إحياء التراث) لنسهم به في يقظة الأمة، ومنه يكتسب شبابنا أسلحة قوية من إنتاج مصانع فكرية أقامها له أسلافه، وبأسلحتهم هذه سينتصرون في معاركهم الحضارية، والتنويرية الحقيقية، فتاريخنا تاريخ مشرف، وبلادنا، تضرب حضارتها في جذور الزمن، فلا يليق أن نسخر ماضينا الفكري، ويخرج من بيننا من يقول : (التراث عفن، واجتهادات الفقهاء عبث، وكتب السنة دموية، ورموزنا كقطز، وصلاح الدين، وأحمد عرابي، ومصطفي كامل وغيرهم - سفلة -).
إننا نشاهد من حولنا أمما، وشعوبا، ودولا ليس لها تاريخ، وهي تزيف لها تاريخاً، وتفتعل لها تراثاً كي تزود حاضرها بزاد المستقبل.
• أستاذ العقيدة والفلسفة جامعة الأزهر