المساء
مؤمن الهباء
شهادة .. ما لم يقله الوزير
نظمت وزارة التعليم العالي بالتعاون مع منظمة اليونسكو خلال اليومين الماضيين ورشة عمل دولية ــ لاحظ أنها "دولية" ــ لبحث النظام الأمثل للقبول بالجامعات المصرية.. وبهذه المناسبة قال الدكتور السيد عبدالخالق وزير التعليم العالي إنه لا يصح الاعتماد علي امتحان واحد هو امتحان الثانوية العامة لدخول الجامعات.. نريد نظامًا يأخذ في اعتباره ميول الطالب وماذا يريد مع مجموعه في الثانوية العامة.. نظامًا يجمع بين قدراته ومجموعه دون أن نضحي بتكافؤ الفرص.. نظامًا يتسم بالعدالة والشفافية والوضوح والموضوعية بما يتفق واحتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
نظريًا.. هذا كلام جميل تتراقص فيه المفردات الناعمة والمحسنات البديعية الشائعة هذه الأيام مثل تكافؤ الفرص والعدالة والشفافية والوضوح والموضوعية.. لكن عمليًا وواقعيًا المسألة معقدة جدًا ولا مجال فيها لهذه المحسنات.. وهناك كلام آخر خشن وثقيل كان يجب أن يقوله الدكتور الوزير حتي تكتمل الصورة.. خصوصًا أن خبراء اليونسكو الذين يشاركون في ورشة العمل يعرفون هذا الكلام ويدركون مغزاه.. لأنه ليس سرا.
ما لم يقله الدكتور الوزير في هذا الصدد إن هناك تخوفًا كبيرًا لدي قطاع عريض من المصريين من أن تكون مثل هذه الورشة جسرًا لتمرير النظام غير الأمثل للقبول بالجامعات المصرية عن طريق اختبارات "شخصية" بالكليات علي اساس الرغبات والقدرات والميول واللياقة.. بما يهدر في النهاية قاعدة "تكافؤ الفرص" التي يحققها بكفاءة وعدالة امتحان الثانوية العامة.
لاشك أن الدكتور الوزير يلمس هذا التخوف الكبير في المجتمع كما نلمسه.. ويعرف كما تعرف أن هناك شواهد كثيرة تؤكد هذا التخوف وتضخمه.. ومن هذه الشواهد الحديث الدائر في الأوساط العليا عن إلغاء أو ترشيد مجانية التعليم الجامعي.. والحديث العلني عن الحق في توريث الوظائف لأبناء الطبقة العليا في القضاء وأساتذة الجامعات.. والحديث المتصاعد عن اللياقة الاجتماعية وعن وظيفة الأب والأم كأحد محددات القبول بالوظائف.. ناهيك عن الشكاوي المتكررة من تفشي ظاهرة التمييز الطبقي والفئوي والطائفي في جوانب كثيرة من حياتنا.
وسط هذه البيئة المشوهة يصبح الحديث عن العدالة والشفافية والوضوح والموضوعية نوعًا من الترف الذي لا يحتمله الواقع.. لأن ضغط الواقع وتعقيداته أقوي وأشرس من هذه المفردات الناعمة الفضفاضة.
صحيح أن امتحان الثانوية العامة وحده ليس معيارًا صائبًا بنسبة 100% للقبول بالجامعات.. لكنه في النهاية معيار يرضي الأغلبية ويشعرهم أن الناس سواسية فعلاً ويحقق مبدأ "تكافؤ الفرص" الذي يفتقده مجتمعنا.. ولو أجريت اختبارات اضافية للقبول بالكليات وتدخلت فيها الرشوة والوساطة والمحسوبية كي يضمن الكبار أماكن لأبنائهم في كليات القمة التي ــ ربما ــ تغلق عليهم في حين يتم تحويل أبناء الناس العاديين إلي مراكز التدريب الفني والتأهيل المهني بدعوي "احتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية".. ساعتها أخشي أن يندم كل من ساهم في وضع هذا النظام غير الأمثل ويعاني من عذاب الضمير.
الأولي من تغيير نظام القبول بالجامعات الآن هو تغيير البيئة التي نعيش فيها.. حاربوا التمييز وامنعوا توريث الوظائف بقوانين واضحة قوية دون استثناءات.. طهروا بلادنا من الرشوة والوساطة والمحسوبية.. وافسحوا الطريق لتطبيق تكافؤ الفرص في كل المجالات.. وعندما يطمئن الناس إلي نظافة البيئة من هذه الأمراض سيكون من السهل البحث عن نظام أمثل للقبول بالجامعات.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف