فيتو
محمد حبيب
الخوارج.. أصل التكفير والعنف (3)
يعتبر الخوارج أول من أضفى على الخلافات السياسية صبغة دينية عقائدية، وقد بدا ذلك عندما قال من وافق منهم على التحكيم في بداية الأمر للإمام على (رضى الله عنه): إنه قد كانت منا خطيئة وزلة حين رضينا بالحكمين، وقد تبنا إلى ربنا ورجعنا عن ذلك، فارجع كما رجعنا وإلا فنحن منك براء..

وفى رواية "لابن كثير"، أنه أتى إلى الإمام على رجلان من الخوارج، فقالا له: تب من خطيئتك واذهب بنا إلى عدونا حتى نقاتلهم حتى نلقى ربنا، فقال على (رضى الله عنه): قد أردتكم على ذلك فأبيتم، وقد كتبنا بيننا وبين القوم عهودا، وقد قال الله تعالى: (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم)، فقال أحدهما: ذلك ذنب ينبغى أن نتوب منه، فقال على (رضى الله عنه): ما هو بذنب ولكنه عجز في الرأى، وقد تقدمت إليكم فيما كان منه ونهيتكم عنه، فقال له الآخر: أما والله يا على لئن لم تدع تحكيم الرجال في كتاب الله لأقتلنك، أطلب بذلك رحمة الله ورضوانه..

وفى "تاريخ الأمم والملوك" للطبرى، أنه لما استحكم الشقاق بينهم وبين على (رضى الله عنه)، حدث تطور في نظريتهم، حيث قالوا له بلسان أحد زعمائهم: لا والله لا أطيع أمرك، ولا أصلى خلفك، وإنى غدا لمفارقك.. لأنك حكمت في كتاب الله، وضعفت عن الحق إذ جد الجد، وركنت إلى القوم الذين ظلموا أنفسهم، فأنا عليك راد وعليهم ناقم، ولكم جميعا مباين.. وهكذا انتقل الخلاف السياسي إلى مستوى الخلاف الدينى، وبدلا من أن يروه في إطار "الخطأ" وضعوه في إطار "الخطيئة".. ولم يكتفوا بالمعارضة السياسية، وإنما أعلنوا رفضهم للصلاة خلف على (رضى الله عنه)..

ولنا مع التكفيريين من الخوارج الجدد تجربة شخصية من المفيد أن نذكرها.. ففي ٢ سبتمبر عام ١٩٨١، صدر قرار الرئيس الراحل السادات بالتحفظ على ١٥٣٦ من الرموز الفكرية والشخصيات العامة السياسية والوطنية في مصر.. وكان إنزال المتحفظ عليهم داخل الزنازين في تلك الفترة تبعا لوصولهم، بغض النظر عن انتماءاتهم.. والذي حدث أن كان نزولى في الزنزانة ٩ بالدور الثالث بسجن "الاستقبال" بطرة، مع ٩ آخرين..

أحدهم كان من الدقهلية وينتمى لجماعة "اللاجماعة"، واثنان من أسيوط وينتميان للجماعة الإسلامية، والستة الآخرون معظمهم من الدقهلية وينتمون لجماعة "التكفير والهجرة"، أو من كانوا يطلقون على أنفسهم "جماعة المسلمين"، وهى الجماعة التي اغتالت الشيخ الذهبى وزير الأوقاف الأسبق..

ومنذ اليوم الأول، أغلقت الزنازين علينا، ولم نمنح فسحة خمس دقائق إلا بعد ١٧ يوما.. المهم، بعد أن وضعنا رحالنا، أردنا أن نصلى، فقدمنى للصلاة بهم واحد من الجماعة الإسلامية.. اعترض التكفيريون على ذلك بشدة وقالوا: لن نصلى خلفك.. وكادت أن تحدث أزمة، لولا أنى قلت: إذن ليتقدم أحدكم للإمامة، وليس لدى مانع من الصلاة خلفه.. (وللحديث بقية إن شاء الله).
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف