الأهرام
د . أحمد عاطف
تدريبات على تطوير العقل
لا يحتاج العقل إلى مقدمة للحديث عنه. فهو درة الدرر وبيت القصيد وأهم ما فى جسم الإنسان وأكثر ما يميز الجنس البشرى عن جميع المخلوقات. ومن بينها من هو أقوى منا كقوة جسمانية أو عضلية، ومنها أيضا من هو شديد الحنو ومتدفق المشاعر كالكثير من الحيوانات بل والنباتات أيضا. وقدرات العقل البشرى هائلة ومدهشة و إعجازية. وهى التى جعلت الإنسان يتطور من الحالة البدائية التى خلقنا عليها إلى الشكل المتطور الذى أصبح عليه كوكب الأرض الآن. تصور لو عرف الإنسان البدائى الحال الذى وصلنا إليه، بالتأكيد كان سيجن. حتى بعدما عرف الإنسان الكهرباء والموتور، وهما من أهم الاختراعات التى طورت البشر، كان يصدم مع كل اختراع جديد. من المعروف لمحبى السينما أن عند بداية اختراع هذا الفن هرب المتفرجون فى فرنسا من مقاعدهم عندما شاهدوا القطار يجرى فى اتجاههم على الشاشة. والعقل هو اسم القدرة الذهنية التى تحرك تصرفاتنا، ونستدل بها على الفروق بين الأشياء والاختلافات بين الأمور. ويميز العقل قدرات أساسية أهمها التذكر وجمع المعلومات وتحليلها واتخاذ قرار بعد ذلك، ويستطيع العقل ترتيب المعلومات ووضعها فى ملفات وغرف لاستخدامها مباشرة أو استغلالها وقت اللزوم. والعقل عبارة عن مخزن طاقة ضخم جدا ونظام كهربى شديد القوة وشديد التعقيد. فالدماغ يولد من 10 الى 23 وات وهى طاقة تضيء مصباحا كهربائيا، ومجموع النبضات الكهربائية التى يولدها دماغ واحد أكثر من التى تولدها كل هواتف العالم المحمولة. ومجموع الأفكار التى نفكر فيها فى اليوم الواحد حوالى 70 ألف فكرة. وعلى عكس الشائع أننا نستغل فقط 10 % من قدراتنا العقلية، فجميع أجزاء المخ تعمل. ومن المعلوم أنه عندما تزداد الأخاديد والتعاريج بشكل المخ، فهذا يعنى أننا أصبحنا أذكي. لكن تطوير عقولنا يحتاج جهدا كبيرا وتجارب وقدرة على تحليل التجارب والاستفادة منها وكذلك التخلص من عيوبنا. فلدينا فى مصر مثلا ظاهرة غريبة جدا، وهى الثقة المطلقة للكثير منا فى ذكائهم المفترض. يقينا أن أى إنسان يحيا بتوازن سيكولوجى ما، فلابد له من الثقة بعقله وبصفاته وبشخصيته. لكن من أين جئنا بتلك الثقة المفرطة التى تمنعنا حتما من اكتشاف جوانب العوار بعقولنا وتمنعنا من البحث المضنى والواعى عن تطوير قدراتنا العقلية؟ هل مثلا لأن النظام التعليمى لا يوجد الشك والجدل مثل العقل الغربى الذى أثرت فيه الأفكار الجدلية الدافعة الى البحث، والتى كان أشهر دلائلها القول الشهير« أنا أشك إذن أنا موجود» للفيلسوف الفرنسى الشهير ديكارت. طبيعى أن حجم المعلومات والاختراعات التى واجهت الإنسان مع بداية القرن العشرين جعلته يرتبك لأنها كانت بعيدة عما يعرفه وما يخبره، لكن مع مرور السنوات وتدرب كل جيل على التكنولوجيا أكثر من الجيل الذى سبقه، حتى أصبح البشر خاصة الأطفال أمثلة رائعة لتطور العقل البشرى ومصدر إبهار بقدراتهم لما لا يستطيع الكبار الوصول إليه بسهولة. لابد لنا بمصر أن نجعل من تطوير قدراتنا العقلية هدفا قوميا. ما المانع أن نكون الآن أمة من الأذكياء؟ عموما المصريون موصوفون بالذكاء طوال التاريخ.

وفى إنجازاتهم الحضارية على مر العصور أكبر مثال. لم يكن التعليم النظامى حائلا أبدا أن نكون متحضرين وأذكياء وفنانين ومخترعين. نلنا نصيبا كبيرا من الذكاء الفطري، وتراكم الخبرات والمعارف التى سمحت بها الفنون والملاحم والأمثال الشعبية التى توارثناها. ومعروف أن الطفل المصرى من أذكى الأطفال فى العالم حتى سن معينة للأسف. وإذا أردنا أن نطور من قدراتنا العقلية لابد أن نتخلص مما رسخ فى عقولنا الجمعية خلال الخمسين سنة الماضية غالبا بسبب سوء أحوال التعليم وأسباب عديدة. أصبحنا نحكم مثلا بالسمع وهى عادة عكس التفكير، لأننا لا نمحص ما نسمع، وغالبا السبب هو عدم شيوع التفكير العلمى الذى يأتى بمعطيات ويفندها، ويتأكد من مصادر المعلومة، ثم يخضع المعلومات لقواعد المنطق والاستدلال حتى يعتنق الفكرة. لذلك تجد الكثير من الشائعات تجد طريقها سريعا خاصة فى مجتمع الفيس بوك وتويتر. ونحن أيضا نندفع ولا نستمع إلى بعضنا البعض. ونثق ثقة عمياء فيما يقوله المقربون منا بدون أن نتأكد من صحته. وكأن هؤلاء لا يخطئون أو يبالغون أو يكذبون. نحن لا نمتلك أيضا قدرات على الوصول إلى المعلومات المناسبة، ولهذا فن وحرفية. ولا نعرف كيف نصنف المعلومات ونهندسها فى عقولنا لأفضل استفادة منها. لابد أن تمتلئ قنواتنا التليفزيونية وفنوننا بإعلاء أكثر لقيمة العقل بدلا من أن يتقدم العالم عقليا ونظل نحن على حالنا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف