أن تترشح لانتخابات ما، لا يعنى أنك خائن وعميل، وأن تطرح نفسك بديلاً لشخص ما، لا ينطوى على كراهية له أو رغبة فى تشويهه بالضرورة، وأن تؤمن بقدراتك على إحداث تغيير للأفضل عبر أدوات مختلفة عن تلك السائدة، ليس تقليلاً من شأن أحد أو تهويناً من حجم ما فعله من سبقوك. وقد سبق وخاض المصريون أو عايشوا أو شاهدوا «عمليات اختيار» إبان حكم الرئيس الأسبق مبارك، وكان القاصى والدانى يعلمان أنها تحصيل حاصل، وحين حصل ما حصل فى يناير 2011، خاض المصريون عمليات اختيار مختلفة، بعضها كان كاشفاً عما ضرب المجتمع من سرطان متأسلم، والبعض الآخر كان مؤكداً أن فى مصر ما يستحق الحياة، شباب راغبون فى المشاركة، كبار مستعدون للتغيير، وفئات شعبية مختلفة قادرة على كشف الخبثاء وتعرية المتملقين وفضح المتسلقين، وهذا بيت القصيد.
قصيدة شعرية كتبتها سيدة مصرية فى العقد السادس من العمر وعلقتها على شرفتها فى بيتها فى مصر الجديدة، كل من يسكن الشارع يعرف تأييدها الكامل والشامل للرئيس السيسى منذ عام 2013، حيث تحولت شرفتها إلى ما يسميه الجيران «بلكونة السيسى»، حالياً تطل لافتة ضخمة مطبوع عليها صورة ضخمة للرئيس السيسى وهذه الكلمات: «رجل يعرف الطريق إلى قمة المجد، رجل لا يخشى الخطر، يعشق الوطن والتحدى، رجل يحترمه العالم ويخشاه العدو، رجل سمعته تسبقه، اسمه الرئيس عبدالفتاح السيسى»، وفى مصر كثيرون مثل هذه السيدة التى تشرفت بمعرفتها، وهى ربة بيت وجدة، لا علاقة لها بمصالح السياسة أو تحالفات الاقتصاد، لكنها تحب وتؤيد وستنتخب الرئيس السيسى ولا أحد سواه. وسواء اتفق آخرون مع هذه السيدة وغيرها من الملايين التى تحب الرئيس وتؤيده لأسباب مختلفة أو اختلفوا، فإن تأييد مرشح أو عدم تأييده ليس علاقة نسب، هى اختيارات تحددها مواقف وآراء وتقييمات تختلف من شخص لآخر، وكل منا يؤمن إيماناً شبه كامل بما ومن يؤيده، وإلا ما أيده، لكن الأزمة، بل والكارثة، هى أن نعتبر من يؤمن أو يتبع أو يختار ما أو من يختلف عنا خائناً أو عميلاً أو عبيطاً أو خروفاً أو غيره من النعوت التى شاعت فى مجتمعنا على مدار السنوات السبع الماضية.
ربما يكون الاستثناء هو أصحاب التوجهات الإخوانية وأبناء عمومها من المتأسلمين، وأغلبهم ضحايا لفكر تٌرِك يتغلغل حتى تحول خلايا سرطانية تأكل نفسها ومن حولها.
وحول أجواء «الانتخابات» أقول إن من يعتقد أن ترشح أحدهم أمام الرئيس السيسى خيانة أو قلة أدب هو مخطئ، ومن يتبوأ مكانة متخذى القرار الذين يعتقدون أن إخلاء الساحة تماماً وتشويه أو تهميش أو تكبيل الراغبين فى دخولها يخدم البلاد وفى مصلحة العباد مخطئ، وخطؤه ضار للجميع، ووقوع التيارات المعارضة والمجموعات الثورية والجماعات الحالمة بحياة سياسية ثرية قوامها التعدد وإطارها الديمقراطية فى فخ المظلومية وشباك «ضربنى على عينى» و«عضنى» و«سحلنى» و«غزنى» سيخرجهم من المعادلة ولن يحقق لهم العدل المنشود. ولتكن هذه «الانتخابات» الرئاسية فرصة جديدة لإصلاح ما فى أنفسنا من ديكتاتورية شعبية، وأحادية فكرية، ومعزوفة حب أقرب ما تكون لتلك التى عزفها الدب الذى قتل صاحبه.