أشرف محمود
من صلاح التفهنى إلى صلاح النجريجى.. مصر تنتظر المزيد!
لاعاش من عاش لنفسه فقط، ذلك ماقاله الحكماء فى التاريخ القديم، فالعالم لابد أن ينتفع الناس بعلمه، والمؤثر لابد ان يفيد مجتمعه، والا صار أنانيا منغلقا على نفسه، ولأننا فى مجتمع يعيش حالة فريدة من ضعف الذاكرة، ويحتاج مابين الحين والآخر إلى تذكيره بالقيم النبيلة التى تحض على التعاضد والتعاون، لذا كان لزاما على كل مهموم بالوطن أن يذكر نفسه ومن حوله بالنماذج المضيئة، وأن تقدم للأجيال الجديدة لتتخذ منها القدوة فتحقق طموحاتها وتنفع نفسها ومجتمعها وتعلى راية وطنها.
من هنا وجدتنى أفكر فى الربط بين اثنين من أبناء مصر يحملان ذات الاسم صلاح. صلاح الأول هو الأكبر ورحل عن عالمنا منذ عامين، وصلاح الثانى ملء السمع والبصر يخطف الأنظار فى العالم كله بخلقه الرفيع قبل ابداعه فوق البساط الأخضر، ومابين الصلاحين مشتركات عدة، فكلاهما ينتمى لأسرة بسيطة من الريف الأصيل. الأول ابن قرية تفهنا الاشراف مركز ميت غمر محافظة الدقهلية، والثانى ابن قرية نجريج مركز بسيون محافظة الغربية، وكلاهما اجتهد فيما قدر له أن يعمله فى الحياة، فكان أن شق المهندس الزراعى صلاح عطية طريقه مع أصدقائه التسعة وعقدوا شراكة مع الله فبات السهم العاشر فى مزرعتهم الصغيرة لتربية الدواجن مخصص لوجه الله الكريم، وانطلق الأصدقاء فى تجارتهم التى باركها الله لتفوق توقعاتهم، وينمو الخير بفضل الله عليهم، ويزيد الربح وتبدأ مسيرة العطاء لتتحول القرية إلى النموذج الذى نتمناه لمصر كلها وليس لقرية منها، فكان أن أنشأ ستة معاهد أزهرية ثلاثة للبنين ومثلها للبنات، إلى جانب إنشاء بيت مال للقرية يحقق التكافل الاجتماعي، وانتشرت مصانع الأعلاف ومرزاع تربية الدواجن التى يعمل فيها كل أبناء القرية، وزاد الطموح فكان أن سعوا إلى إنشاء فروع لكليات جامعة الأزهر فى سابقة غير مسبوقة، ومن أجل ذلك أنشئت محطة للسكك الحديدية فى القرية وزادوا ببناء مدينة جامعية للبنين تتسع لالف طالب وأخرى للبنات تتسع لستمائة من غير أبناء القرية، وبالفعل تحقق حلمهم وافتتحت أربع كليات للشريعة والقانون وأصول الدين والتربية والتجارة، لذا لم يكن غريبا أن يعشق أبناء ميت غمر صلاح عطية ورفاقه، وعبروا عن عشقهم له باطلاق ألقاب عدة عليه يستحقها بكل تأكيد منها، رجل من زمن الصحابة وملياردير الغلابة والرجل الذى حارب الفقر بالفقراء، وتجسد الحب الجارف لرجل العطاء فى جنازته التى شهدت مئات الآلاف من مشيعيه، الذين كانوا أوفياء مع من وهب حياته لخدمة بلده وأهله فاستحق أن تصحبه دعوات الآلاف الى مثواه الأخير، واستحق أن يدخل عطاءه كتاب التاريخ باعتباره القدوة والمثل الذى يرتجى فى كل زمان ومكان لتنهض الأمة كلها كما نهضت تفهنا الاشراف. ولأن الزمان لايبخل على الأوطان بالرجال الأوفياء ليؤكد أن الانسان خلق لتعمير الأرض والعطاء وشكر الخالق على نعمائه التى يمنحها لبعض عباده ليختبرهم، فكان أن ظهر شاب صغير السن كبير القلب متدفق المشاعر يعرف معنى الانتماء لأهله وبلده، يدرك أن الله رزقه لاجتهاده ولحبه الخير والعطاء، إنه محمد صلاح لاعب الكرة الذى خرج من قرية نجريج يافعا يبحث عن مستقبله من خلال الموهبة التى منحه الله إياها، وتحمل فى بداية مسيرته قساوة الظروف التى تمثلت فى تنقله من قريته إلى القاهرة حيث يلعب فى نادى المقاولون العرب.
ولأن لكل مجتهد نصيبا، كانت مكافأة الله له على جده واجتهاده ومعهما التزامه الدينى الذى حصنه من الوقوع فى براثن النجومية المزيفة، وهكذا تدرج فى الترقى من ناد الى آخر حتى بات ملء السمع والبصر تهتف باسمه الملايين حول العالم، لكن كل ذلك لم يغير من سلوكه أو ينسيه أنه ابن القرية الصغيرة فى دلتا مصر، فكان كل خير يصيبه لقريته منه نصيب، مذكرا نفسه بمقولة الحكماء لاعاش من عاش لنفسه فقط، فكان أن تعاملت القرية كلها معه وكأنه فرد من كل بيت فيها، الكل يدعو له بالتوفيق والنجاح، ورد الابن البار الجميل إلى قريته بتحمل تكاليف إنشاء معهد دينى يريح الطلبة والطالبات من عناء الانتقال إلى المركز لتلقى التعليم هناك كما كان يحدث معه وهو طالب، وزاد ببناء حضانتين والمساهمة فى إنشاء مدارس فى مركز بسيون، ودعم اللاعبين القدامى وتأسيس جمعية للأعمال الخيرية ووحدة صحية مجهزة بسيارة إسعاف وكفالة الأيتام لكل هذا استحق صلاح نجريج ان يكون رمزا للطموح والوفاء والعطاء عند شباب جيله والأجيال التى تليه، فهل نسمع عمن يسير على نهجه من نجوم الكرة المحترفين فى أوروبا أو من يلعبون فى الأندية الكبرى هذا ما تنتظره مصر من أبنائها.