الأخبار
محمد السعدنى
الأحزاب والرشادة السياسية
لا تسألني عن الرشادة مادمت تمارس الجنون في كل شيء، هكذا هي طبيعة الأشياء، لكننا من أسف اعتدنا في حياتنا العامة أن نطلب من الآخرين المستحيل بينما نحن لانؤدي أبسط ما يمكننا من واجبات هي في متناول اليد ومن نافلة القول. عن الرشادة السياسية أتحدث وعن أحزابنا التي استحالت »خيالات مآتة»‬ بفعل قياداتها أكتب، وقد استوقفني أن حزباً واحداً من أحزابنا السياسية التي تربو علي المائة لم يستطع تقديم مرشح رئاسي، باستثناء حزب »‬مصر العروبة» الذي قدم الفريق سامي عنان، ولعلها حقيقة غير مؤكدة، إذ أن عنان كان سيترشح بالحزب ذاته أو بدونه، ولعله ساهم في تأسيس هذا الحزب لهذا الغرض، أي أننا نستطيع تعميم مقولتنا بعقم الأحزاب السياسية واستاتيكيتها جميعاً. وقد لا أغالي إذا قلت إن كل أحزابنا السياسية لا يعرف منتسبوها معني الممارسة السياسية وطرائقها وأهدافها، بل حتي ماهو تكوينها وماذا تمثل في حياتنا العامة، أو هكذا يتبدي لنا من ممارساتها ومشكلاتها، والنكاية أن من يعرف منهم يتم استبعاده ومطاردته، ثم نبكي بعدها علي اللبن المسكوب.
ولعلك تابعت صوتاً وصورة الانتخابات الرئاسية الفرنسية، والانجليزية والأمريكية والألمانية والنمساوية، ورأيت كيف يمارسون تنافسهم الانتخابي بطرح البرامج والأفكار والبدائل والرؤي والسياسات، وكيف تتحرك كوادرهم وكيف يديرون الحوار السياسي وتحفيز الناخبين، والأهم كيف يتم تدوير النخب في محيطهم السياسي العام وداخل الحزب نفسه، إذ الحزب مدرسة لتربية وتخريج الكوادر وإدارة الدولة بالسعي للوصول للسلطة لخدمة جماهيرها بتطبيق سياسات تراها أكثر نفعية وفائدة للدولة ومن قبلها المواطن. أما عندنا فلاشيء من ذلك كله، فلا دينامية ولا جماهيرية ولا كوادر ولا أفكار وسياسات إلا فيما ندر. ذلك أن بنية الأحزاب المصرية غير سوية، فهي بنية تلفيقية افتراضية أشبه ما تكون بتجمعات توافقية لمصالح ذاتية لاعامة، ولدينا أحزاب تقليدية تاريخية لا من حيث قدم التقاليد السياسية وإنما هي تاريخية بقدم القيادات العتيقة الجاثمة علي رؤوسها كما علامة تجارية توارثها جيل عن جيل، إذ المدهش فعلاً أن معظم أحزابنا وائتلافاتها يمثلها رجال أعمال، باعتبارها جزءا لا من العمل السياسي المؤسسي الذي يصب في دولاب إدارة الدولة، إنما جزء من الوجاهة والانتهازية والتشهيلات. لذلك لا تتعجب عندما يتحدث أحدهم أنه يؤيد الحكومة والسلطة، بل ينكر ويستنكر أن يكون حزباً _لاقدر الله _معارضاً أو ساعياً للسلطة، ويالها من فجيعة وتخلف، ذلك أن حزباً لا يسعي للسلطة فهو ليس بحزب، وأن حزباً لم يشكل الحكومة بأغلبيته النيابية في البرلمان فهو لا محالة حزب معارض، ولا عيب في ذلك ولا محظور، لكنها التقاليد الانتهازية البليدة التي أوصلتنا إلي تجريف العمل السياسي العام وتكلس أوصاله. الغريب أن هذه الأحزاب المفارقة للواقع ومعطياته السياسية هي ما تطلب من الدولة تنشيط الحياة السياسية وتلوم علي الدولة أنها تقيد العمل العام وتجفف روافده، وأنا لا أبرئ الدولة ومؤسساتها، إنما أقر بما هو معروف في كل الدنيا، أن السياسة تصنعها الأحزاب قبل الدولة. ومهما كانت ممارسات أجهزة الدولة أو معوقاتها فإن الأحزاب الجماهيرية النشطة تستطيع أن تشق قنوات حركتها الفاعلة والمؤثرة بكوادرها وأفكارها ودعم جماهيرها. ذلك إذا كانت أحزابنا تعرف مابينها وبين الدولة من توافقات يمكن البناء عليها والانطلاق للعمل من خلالها، أو تناقضات يمكن طرح حلول وبدائل تحولها من »‬تناقضات رئيسية» إلي »‬تناقضات ثانوية»، وهي نظرية في السياسة أسست لها الفلسفة المادية »‬الماركسية» وتلقفتها واستفادت منها الفلسفة »‬البراجماتية» الرأسمالية، وعملت في إطارها معظم التشكيلات السياسية والأحزاب في العالم، إلا أحزابنا التي لاتزال تعمل بأسلوب المقاولات والقطاعي بحسب هوي ومصلحة قيادة الحزب دون سابق وعي بأن الأحزاب سياسات يضعها مفكرون وتوجهات يحملها للشارع قيادات مؤهلون وممارسات يعمقها في المحيط العام كوادر قادرون.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف