بوابة الشروق
منى أبو النصر
التصفيق لمرة واحدة في العمر
"كل إنسان في العالم يستحق أن يحظى بتحية وقوف على الأقل مرة واحدة في حياته لأننا جميعا ننتصر على العالم".

هكذا ينطق الجو المُصاحب للتصفيق الحاد تحية لـ “أوجي" الذي يصعد خشبة المسرح، يتلقى تكريما على الاستثناء، وهو يواجه جمهورا من المصفقين.

• مع أولى مشاهد فيلم wonder "أعجوبة" تتورط مع بطله الطفل "أوجي بولمن" ومع عائلته كلها، تتورط في التعاطف الشديد والعجز، فهو طفل ولد بمرض نادر "متلازمة تريتشر كولينز" الذي تبعه إجراء 27 عملية جراحية وتجميلية لمحاولة تلافي بصمات المرض على وجهه، ولكن كانت نتيجة "التحسينات" بلا جدوى، وتقدم الطفل لدنياه بوجه مُشوه منذ نعومته.

• "أوجي بولمن" الذكي، جدا، كان لابد أن يخرج للعالم، لابد أن تنتهي عزلته في بيته، ولابد أن يذهب كالآخرين إلى المدرسة، قرار من نار، صممت عليه الأم "قامت بدورها جوليا روبرتس"، التحق بالصف الخامس، يتحصن بقناع لرائد فضاء يضعه في "مود" خاص حالم، و يقيه من نظرات الآخرين الطاعنة، ولكن على عتبات المدرسة..يضطر أن يخلع القناع..لتبدأ المأساة..وتقف الأم مضطرة للمرة الأولى في حياتها لتوديعه وتتوسل إلى الله "أرجوك اجعلهم يعاملوه بلطف".

• يستعر "التنمر" ضد الصبي. نظراتهم تجعل أيامه أسوأ.. لا يهونها سوى صف العلوم الذي يبرع فيه وسط دهشة من زملاء الصف.

كان "الهلاويين" هو عيده المفضل، منطقي، فهو عيد تنكري، يرتدي فيه القناع فلا ينظر له أحد ويصبح كغيره، لذلك شارك في الاحتفال بكل حماس، حتى نفذت أذنه سخرية من صديقه، الوحيد الذي بدأ يتقرب إليه، يقول لو كنت مثل أوجي لكنت انتحرت..تدمره الجملة التي استرق سمعها وهو خلف قناع إحدى شخصيات الهالوين، يتحملها بغصة كما يتحمل سواها من المضايقات المدمرة ، كسريان شائعة في المدرسة أن من يلمس "أوجي" حتما سيصاب بالطاعون.

• الفيلم من إخراج ستيفن تشيوسكي، وهو مأخوذ عن كتاب يحمل نفس الاسم wonder للكاتبة راكيل جارميلو المشهورة ب" آر.جيه.بالاسيو"، الذي سجل مبيعات مرتفعة لدى نيويورك تايمز، وقبل أيام مررت بخبر رائع عن إصدار مكتبة "تنمية" ترجمة للرواية بعنوان "أعجوبة" للمترجم إيهاب عبد الحميد.

• الفيلم الذي يدور حول بطله "أوغي" يتتبع باقي أبطاله من زاوية "أوغي" كذلك، الأم التي تكرس حياتها من أجل طفلها وصدماته الإنسانية المبكرة، تأثرها عمليا ونفسيا، صمودها الانفعالي الذي كانت جديرة بأدائه فنانة بالثقل التعبيري لجوليا روبرتس.
الأب، قام بدوره أوين ويلسن، هو مركز البيت، مركز العالم، الذي لولا قدرته على مواصلة الضحك وتقبل الأمور لما هانت الأمور.

الإبنة، إيزابيلا فيدوفيتش، التي تعترف في لحظة كشف بوحدتها الشديدة، وغيرتها لاإراديا من شقيقها لأنه يستحوذ على جل اهتمام الأم، وتبحث هي عن مجال لجذب الانتباه إلى أنها موجودة وتحتاج الرعاية أيضا.

الفيلم، من إنتاج 2017، هو للمشاهدة مرات، فهو فيلم يتجاوز مفهوم "الإنسان العادي" إلى الانسان "الاستثنائي"، في كل مشهد تكشف عين "أوجي" الكثير عن الآخرين، مخاوفهم من شكله تتبدد لصالح التقبل، والتصفيق له بحرارة، ليس شفقة، وإنما تتويجا لقوته وابتسامته الخارقة لوجهه المُصاب الطيب.

وهو يصعد المسرح كأفضل طالب في العام..تصفيق للاستثناء..وللعبور..تصفيق يستحقه كل مُحارب ولو لمرة واحدة في العمر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف