ذهبتُ ذات مرة لإجراء حوار مع رئيس أحد الأحزاب الجديدة، كان الرجل مهذبا للغاية وهو يعرفني علي أمينة المرأة بالحزب، لكن بعد انتهاء التعارف فوجئت به يطلب منها أنها أن تعد لنا كوبين من الشاي، انتابتني دهشة شديدة، لكن أمينة المرأة بالحزب الجديد لبت الطلب بكل ترحاب، وعندما لاحظ الرجل دهشتي وحرجي، همس ضاحكا، أصلا أمينة المرأة تبقي المدام!!
وخلال انتخابات الرئاسة عام ٢٠٠٥، تم تكليفي بمتابعة الحملة الانتخابية لأحد المرشحين، وكان الرجل أستاذا جامعيا، ورئيسا لحزب سياسي تم تأسيسه منذ عدة سنوات، وكانت للرجل نوادر لا تنسي، وفي أحد اللقاءات أراد الرجل أن يعرفني علي قيادات الحزب، فرحبت بشدة، فإذا بي أكتشف أن كل القيادات تحمل نفس لقب عائلة رئيس الحزب، واحد فقط لفت انتباهي بأنه لم يكن يحمل نفس اللقب العائلي، وكان يتولي منصب أمين عام الحزب، فشعرت أنني أمام اكتشاف، لكن فرحتي لم تدم، فقد فوجئت بأن أمين الشباب ينادي الأمين العام بلقب »خالو» لأكتشف أن الرجل ليس سوي شقيق زوجة رئيس الحزب، وقد كانت حقا عائلة سعيدة، أقصد حزبا سعيدا!
رئيس ثالث لأحد الأحزاب، ومرشح رئاسي سابق حصل علي دعم قيمته ٢٥٠ ألف جنيه كانت مقررة للأحزاب التي تشارك في الانتخابات الرئاسية، وبدلا من أن يهدر الرجل المبلغ الثمين في تنظيم ندوات ولقاءات جماهيرية أو تنفيذ دعاية لتعريف الناس بحزبه وبرنامجه السياسي، اكتفي بشراء عجل حنيذ، وذبحه ووزع لحمه بنفسه علي أبناء منطقته، وهو يوصيهم بإلحاح أن ينتخبوا الرئيس مبارك، الذي يفترض أنه ينافسه في الانتخابات!!
هذه بعض من وقائع حقيقية وهناك المئات غيرها، لو استطردت في سردها لما وسعتني عشرات المقالات، فالغالبية العظمي من أحزابنا ليست سوي »دكاكين» لا تجيد حتي بيع السياسة، مجرد ديكور للوجاهة الاجتماعية، وحتي القليل من تلك الأحزاب، وبخاصة ما ظهر منها في موجة الانفجار الحزبي عقب ثورة ٢٥ يناير وحاول الاستفادة من أجواء الحراك السياسي وقتها، انكفأ سريعا تحت ضغط أزماته الداخلية، ولم يفلح في تقديم تجربة سياسية، تجذب الشباب الذي أدرك أن المقاهي أو السوشيال ميديا أكثر نفعا من تلك الأحزاب التي شاخت قياداتها في مقاعدهم وفق تعبير الأستاذ هيكل.. لابد أن نعترف أن لدينا مشكلة، بل مشاكل حقيقية في بنية السياسة في مصر، نعم الدولة - علي مدي عقود - مسئولة عن الكثير من جوانب تلك المشكلة، لكن أيضا ما يسمي بالأحزاب ليست بريئة، فمصر ليست بحاجة إلي ١٠٤ أحزاب كغثاء السيل، لكنها في حاجة ماسة إلي ٣ أو ٤ أحزاب حقيقية، لديها بناء وهيكل مؤسسي، وتيار شعبي حقيقي تمثله، بحيث تكون تلك الأحزاب قادرة علي تقديم كوادر سياسية حقيقية، وليس مجرد الولولة علي أنه لا يوجد منافسين للرئيس عبد الفتاح السيسي في الانتخابات المقبلة، أو يفيق بعضها في اللحظات الأخيرة ليكتشف فجأة أن لدينا انتخابات رئاسية، فيهرول قادة تلك الأحزاب وغيرهم من مرشحي الصدفة - وقد نسوا ارتداء نصف ملابسهم- إما للترشح في اللحظات الأخيرة، أو التمطع أمام الكاميرات لإعلان الانسحاب من منافسة هم أول من يعلمون أنهم خارجها.