الأخبار
رفعت رشاد
السيولة السياسية
يحتاج المشهد السياسي الداخلي الحالي إلي تحليل. العبث الذي تعبثه بعض الأحزاب بشأن ترشيح منافسين للرئيس السيسي لم يكن يصل إليه خيال صمويل بيكيت طليعة مسرحيي العبث ومسرحيته الأولي في هذا المجال »في انتظار جودو»‬ الذي لم يأت أبدا. أقول إن القائمين علي الأحزاب في مصر وعددهم يزيد علي المائة حزب يستحقون المحاكمة أو علي الأقل العزل وإن لم يكن من جانب أعضاء أحزابهم فليكن من جانب لجنة الأحزاب المنوط بها مسئولية الأحزاب. هواة البحث عن المناصب والمكاسب من رؤساء الأحزاب يجب أن يكونوا درسا وعبرة لمن يلعبون ويتلاعبون بقضايا وطنية مهمة مثل ترشيح ممثلين لتيارات فكرية وسياسية للبرلمان أو للمحليات أو لمنصب رئيس الجمهورية. في ظروف وجود السيسي وظروف الدولة سيختار الشعب السيسي لأنه لا وجه للمقارنة بينه وبين أي من هؤلاء الذين يقدمون لنا في الشارع السياسي مسرحية هزلية تسيء إلي دولة في حجم مصر وتسيء للرئيس الذي - من المؤكد - لم يكن يود أن يكون هذا حال الأحزاب، فالرئيس حريص علي أن ينتخب من خلال الشعب في انتخابات ديمقراطية تعطي مثالا لتزايد الوعي لدي المواطنين وحرص الدولة علي احتضان توجهات المواطنين وتعظيمها بما يعود علينا جميعا في صورة إيجابية لصالح المستقبل وليكن الشعب المصري طليعيا في مسألة الديمقراطية في المنطقة.
هذه الأحزاب التي تعيش دكتاتورية داخلية، نشأت في ظروف يجب مراجعتها فقد أراد القائمون علي البلاد في وقت حرج إيجاد منافذ للتنفيس عن الطاقات الموجودة في الشارع وتقنين حركة الناس ولو بنسبة معينة، فسمحوا بإنشاء الأحزاب بطرق بسيطة سمحت للبعض بركوب الموجة والتكسب سياسيا ومعنويا واجتماعيا من هذا الوضع. سمح هذا الوضع بخلخلة النخبة السياسية ذات الخبرة لصالح غير ذوي الخبرة. وإذا كان المثل الشعبي يقول »‬إدي العيش لخبازه» فهؤلاء لم يكونوا أبدا خبازين أو صنايعية وبالتالي »‬لبسنا كلنا في الحيط» خاصة أن أصحاب الأحزاب حرصوا علي حجب أي فرص عن أعضاء حزبيين آخرين ربما يكون لديهم الحماسة والنزاهة خوفا علي مناصبهم التي أتاحت لهم فتح فرك مصباح علاء الدين فغرقوا في الثروة ورفاهية المناصب والعلاقات الخارجية التي ضاعفت من مكاسبهم.
لو نظرنا حولنا لوجدنا وجوها كانت تهيم علي وجهها في الشارع السياسي تبحث عن ملجأ فإذا وجدته في الصفوف الأخيرة اعتبرت كأنها فُتحت لها طاقة القدر، الآن نجد هؤلاء يتصدرون المشهد ويملأون الشاشات ومن يعرفهم يعرف جيدا أصلهم السياسي ويعرف أن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة ويعرف أن هؤلاء لن يقدموا شيئا للدولة لأنهم أصحاب مصلحة شخصية. ويمكنني في هذا المجال أن أضرب أمثلة عديدة بالاسم وربما يأتي يوم يسجل كتاب ما السيرة الذاتية لهؤلاء ليعرف الشعب كم كان حجم خداعه من جانبهم وكم باعوه وصعدوا علي آلامه.
ذات مرة رشحني صديق عزيز لتولي موقع في حزب الحركة الوطنية وكان الحزب واعدا يضم وجوها طيبة أكن لهم الاحترام. تم الاتفاق علي توليتي مسئولية الحزب في القاهرة. أردت تقديم تجربة سياسية جديدة بأن أعد المرشحين لخوض انتخابات البرلمان لا أن اختارهم مباشرة. أحدهم وكان في موقع كبير بالحزب أوعز للقائم علي الأمر وقتها بأن يلح في طلب أسماء المرشحين - كان ذلك قبل إجراء الانتخابات فعليا بعام ونصف - فأبلغته بما خططت ولكنه زاد في الإلحاح لدرجة جعلتني أدرك أنهما رتبا للأمر لإفشال خطتي، فتركت الحزب غير آسف عليه واعتذرت لصديقي الذي رشحني. لم يحصل حزب الحركة الوطنية إلا علي مقعد واحد من بين 600 مقعد وانهار الحزب وركب أحدهما موكب المبايعة بينما خفت الآخر واختفي. هذا النموذج في كل الأحزاب ما عدا القديم منها مثل التجمع والوفد. لكن الجديد هو عبارة عن دكاكين لصاحبها رئيس الحزب وولده »‬قفة».
ما حدث مؤخرا يجب أن يدفعنا للتفكير في تفعيل النظام السياسي وهذا حتمي لمستقبل البلاد.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف