الأخبار
كرم جبر
النيل والمياه.. اطمئنوا
الخطوة الناجحة كانت عقد القمة المصرية السودانية، وأعقبتها في اليوم الثاني القمة الثلاثية بمشاركة رئيس الوزراء الإثيوبي، والعنوان البارز هو: أزمة سد النهضة في طريقها للانفراج، ولا ضرر بمصالح أي من الدول الثلاث، واستطاع الرئيس عبد الفتاح السيسي أن يذيب الجليد، خصوصاً مع الرئيس البشير، بعد مباحثات أقل ما توصف أنها بداية التفاهم والحوار.
الملف الأكثر أهمية هو سد النهضة، بعد أن أصبح كائناً بالفعل علي أرض الواقع.. وأصبحت القضية التي تهم مصر هي عدم الإضرار بحصتها من المياه، وهي مسألة فنية تتعلق بمدة ملء الخزان، وكلما امتدت الفترة الزمنية، قلت الآثار المتمثلة في نقص حصة مصر من المياه، وهنا يتحقق الضرر الذي تعهد القادة الثلاثة بعدم حدوثه، وسيتم حسم هذه القضية بمباحثات مباشرة بين الدول الثلاث، دون وساطات من أطراف أخري، وتحديد مدي زمني مدته شهر للانتهاء من ذلك.
عبارة »اطمئنوا»‬ التي قالها الرئيس السيسي عقب انتهاء القمة الثلاثية أمس الإثنين، معناها ثقة المفاوض المصري بما لديه من حقوق وأدلة ومستندات ودراسات، لمصلحة مصر في حصتها من المياه، ولا تلحق بها ضرراً، وفي نفس الوقت لا تتجاهل رغبة الجانب الإثيوبي في بناء السد، الذي أصبح مشروعاً ينتظره الإثيوبيون بفارغ الصبر، ويبنون عليه آمالاً كثيرة.
إثيوبيا دولة فقيرة وفي بداية طريق التنمية، وعدد سكانها أكثر من سكان مصر، وبغض النظر عن الدراسات النظرية التي تقول إن دخل الفرد سنوياً 550 دولاراً، فالفقر تبدو ملامحه في كل شيء، ابتداء من نافذة الطائرة ليلاً.. الظلام يخيم علي العاصمة »‬أديس أبابا»، إلا بعض الأضواء الخافتة المبعثرة، مما يؤكد العجز الشديد في الكهرباء.
إثيوبيا تتطلع إلي التنمية والبناء، وبدأت ناطحات سحاب قليلة تظهر في العاصمة، وسط البنايات القديمة المتهالكة وهذا معناه أن الاستثمارات تدق أبوابها، ولكنها تنتظر تشييد بنية أساسية من كهرباء وطرق ومرافق، وهذا ما تفتقر إليه بشدة، وتسابق الزمن للانتهاء من بناء السد، وهي نفس الأجواء التي كانت سائدة في مصر في الستينات عند بناء السد العالي.
إثيوبيا تري أن المياه مثل البترول، يمكن أن تنتشلها من الفقر وتحقق لشعبها حياة أفضل، فليس عندهم أزمة في الزراعة بمياه النيل ويعتمدون علي الأمطار، ولكن الأزمة في الكهرباء، وحتي الفندق الذي كنا نقيم فيه، كانت الكهرباء تنقطع بالساعات وكذلك المياه، علاوة علي الخدمة السيئة جداً للإنترنت، ولا توجد في العاصمة مطاعم أو مولات، إلا أشياء فقيرة جداً ومحدودة جداً.
إثيوبيا لا تتعامل مع سد النهضة بهدف الإضرار بمصالح مصر، فالمسألة أبعد بكثير من المكيدة السياسية، أو التفكير وفقاً لنظرية المؤامرة، وهذا ما يسهل مهمة الوفود الثلاثة التي تناقش الملفات العالقة، بالاعتماد علي دراسات فنية، وبدائل مطروحة تحقق مصالح الدول الثلاث وعدم الإضرار بها، وتهدئة الأجواء، بما يتيح التوصل إلي حلول عادلة، ترسخ مبدأ التعاون المشترك بين مصر وإثيوبيا والسودان، بما يعود بالنفع عليها جميعاً.
أما بشأن السودان، فقد نزع الرئيس السيسي في مباحثاته مع الرئيس البشير، عوامل القلق والتوتر، خصوصاً وأن الرئيس السوداني يقدر بشدة العلاقات بين البلدين، ولكن ساهمت بعض وسائل الإعلام في إفسادها، والآن تبدأ مرحلة جديدة، عنوانها التقدير والاحترام للشعبين والقيادتين، وحل كافة المشاكل بالتفاهم والحوار، والابتعاد عن كل ما يؤدي إلي القطيعة.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف