أنور عبد اللطيف
سر اختفاء «النجم» المصر ى !
نفض المذيع النجم يديه وصرخ بأعلى صوته وهو يشد شعره وتساءل بجنون: معقول يا ناس ماعندناش politicians؟! , نطق المذيع الكلمة بالإنجليزية وهو يخاطب المصريين فى البيوت فصرع اللغة العربية بدم بارد دون أن يخشى لومة لائم ! .. والمذيع الذى يستضيف نفسه فى كل الحلقات بالساعتين والثلاث كما استضاف المئات والمئات من رجال الأعمال فى حملات ظاهرها التخفيضات وباطنها الإعلانات، لم يضبط مرة واحدة ـ منذ انتقاله من المشفر ـ يستضيف أيا من رجال الأحزاب الذين يبحث عنهم، ليناقشه عن قضاياه ورؤيته، وهو يعلم أن لدينا أكثر من مائة حزب سياسى ولهم كشوف عضوية ومكاتب سياسية ومتحدثون إعلاميون وهيئات برلمانية، أحدهم تطوع أمس وأعلن ترشيح المستشار أحمد الفضالى رئيس حزب السلام الديموقراطى لرئاسة الجمهورية فى الوقت بدل الضائع... لكن هل تعلم لماذا خلت الساحة من نجوم السياسة ـ أو البلوتشنز ـ القادرين على منافسة الرئيس السيسى فى الانتخابات؟
الإجابة معقدة وهى قبل الفهم المنقوص للحرية السياسية والممارسة الديموقراطية فى مصر وعدم استجابة الأحزاب لدعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ سنتين بتجميع قواها فى خمس أو ست تيارات أو أحزاب قوية بدلا من تشتيت العملية الحزبية فى أكثر من ستين أو سبعين حزبا كرتونيا، لكن سببها أولا غياب قدرتنا على صناعة النجم وحمايته والحفاظ على تألقه فى كافة المجالات، فى الرياضة والسياسة والاجتماع والعلوم ، والإجابة أيضا تفسر لماذا نجح محمود الخطيب الذى اعتزل الملاعب منذ ربع قرن ومعه كل قائمته باكتساح منافسه محمود طاهر وقائمته رغم كل بطولاته وكل إعلاناته، ولماذا سيبقى النادى الأهلى قلعة البطولات خمسين سنة قادمة بشرط أن يحافظ على شكله الديموقراطى ومفهومه لتداول السلطة بين النجوم!
فصناعة النجم علم جديد ألف فيه الدكتور رفعت عارف الضبع كتابا فى غاية الأهمية وصدر عن الهيئة العامة للكتاب، ولو بيدى لوزعته على كل الأندية ومحطات التليفزيون والمؤسسات مجانا، يعرف الضبع معنى كلمة نجم فى الآية (والنجم إذا هوى ماضل صاحبكم وما غوى) فهى فى اللغة تعنى الكوكب الطالع وجمعه نجوم وهو اسم كالقلوب والجيوب ومرة مصدر كالطلوع والغروب، ثم يتطرق المؤلف الى معنى (سمات الشخصية) فى النجم فاما ان تهتم بالمظهر الخارجى للشخص وقدرته على التأثير فى الآخرين وإما أن تعرف الشخصية على أنها استجابات الفرد للمثيرات والمنبهات او فى كونه نموذجا بين المثير والاستجابة، وتختلف شخصية النجم تبعا لاختلاف مجالات النجومية فنجد النجم الرياضى والأكاديمى والفنى والاعلامى والسينمائى والعلمى والسياسى، وأنماط الذكاء وكيفية تنميتها فهناك (الذكاء اللغوى) مثل الحفظ السريع والتحدث بلباقة وحب الاتصال بالآخرين، وهو يتوفر بعد الميلاد حيث يستطيع الفرد التحدث باكثر من ثلاثة آلاف كلمة من لغات مختلفة، و..(الذكاء الحركى) واكتساب المعرفة، والذكاء (المنطقى ـ الرياضى) والقدرة على الاستدلال والتجريب ومعرفة العلاقة بين الأسباب والمسببات والذكاء (المكانى ـ البصرى) بحيث يستجيب الشخص للألوان ويصف الأشياء ويدرك العالم البصرى بدقة وبطرق تنم عن الخيال، وكذلك (الذكاء البدنى الحركى) فينجذب نحو الرياضة والأنشطة الجسمية، وهناك الذكاء (الموسيقى الإيقاعى) فيعزف ويغنى ويحفظ الأغانى بسرعة ولديه احساس عال باللحن، والذكاء الاجتماعى من خلال قدرة الشخص على تكوين الأصدقاء والحساسية لمشاعر الغير ويميل الى العمل والنشاط الجماعى، وهو عكس الذكاء الشخصى حيث يفضل الانشطة الفردية ويحب الاستقلال والتأمل ..وهناك الذكاء الطبيعى والشم والتذوق والعاطفى والروحى .. ألخ
والمؤلف الضبع يشرح العوامل المؤثرة فى نمو النجم ودور البيئة وتأثيرها وكذلك الوراثة ونظريات التعلم والمؤثرات الأسرية والتوفيق بين الوراثة والاكتساب، ودور القدوة والمثل وفكرة المحاكاة التنافسية فى المجتمع، فقيم النجومية تنتشر كالعدوى وأن كل جيل تحفزه الأجيال التى سبقته على مستوى العائلات وعلى مستوى الاندية والأحزاب، وكشفت دراسة أن 82 بالمائة من المشاهير قد عايشوا عديدا من الراشدين فى وقت مبكر، فوجود من يقتدى بهم النجم او المبدع أمرا جوهريا، وهذا التأثير ليس بالضرورة أن يتم بالاتصال المباشر، ولكن المهم أن تتم النشأة والتربية فى الأزمنة الحيوية العقلية التى تفضى الى التطور الابداعى، .. وأختم بالدراما والاعلام وصناعة النجم والعلاقة بين أنماط السلوك والثقافات التى تروج لها البرامج التليفزيونية طول الوقت وبين اكتشاف نجوم جدد ومُثُل فى الرياضة والاقتصاد والثقافة والسياسة، مما يجعل صرخة المذيع أول أمس (معقول معندناش بوليتشنز أو نجوم فى السياسة ينافسون فى انتخابات الرئاسة) نتيجة طبيعية ودفعة معنوية ـ من حيث لايدرى ـ لتشكيل ما يسمى بالحركة المدنية لمقاطعة الانتخابات الرئاسية وهو مانرفضه بل ندعو الناس للنزول والتصويت حتي لو لم تتوفر لدينا منافسة قوية هذه الدورة ، لكن المعادلة معروفة، غاب الإعلام اشتد الخناق فغابت الأحزاب، والنتيجه في سؤال المذيع عن النجم: أين البليتيشنز يا مينز؟ مع الاعتذار للراحل العظيم سعيد صالح !