أشرف العشرى
مليارات العرب واستغاثة أبو الغيط
لم أكن أستوعب أو أفهم سر غياب بعض الابتسامة التى غابت فجأة عن وجه الأمين العام للجامعة العربية أو حديثه المهموم عن تداعيات الوضع العربى وتأزمه يوما بعد يوم أو احساسى بذهنه الشارد واستغراقه فى التفكير كثيرا كلما التقيته أو حدثته هاتفيا وهى كثيرة عبر صداقة قائمة مستمرة ولقاءات متعددة منذ أكثر من 25 عاما عندما كان دبلوماسيا ناجحا ثم وزيرا للخارجية. ولكن فى الاسبوع الماضى فهمت واستوعبت تلك المتغيرات عندما دُعيت وشاركت بالحضور فى المؤتمر الأول الذى كان من بنات أفكار الأمين العام أبو الغيط وكان جديدا من نوعه ويتعلق بتسليط الضوء والاعلام على نجاحات ودور الجامعة تحت عنوان الترويج لإنجازات وأنشطة مؤسسات العمل العربى المشترك وأهمية مؤسساتها ودورها وفاعليتها ليس فقط فى المجال السياسى بل فى مجالات متعددة تتعلق بشئون العرب ومجالاتهم فى كل المجالات كالتعليم والصحة والعدل والثقافة والداخلية والشئون الاجتماعية والاعلام والاسكان والزراعة وغيرها على مستوى مجالس للوزراء العرب موازية لمجلس وزراء الخارجية العرب بالاضافة إلى تسليط الضوء والنجاحات على بعض المؤسسات العربية الناجحة كالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والالكسو وعربسات وغيرها، إلا أن اللافت الذى توقف عنده الحضور كثيرا بشيء من الأسى والشجن والحزن طيلة أيام المؤتمر الأول هذا للجامعة العربية كان قنبلة الأمين العام للجامعة العربية أبو الغيط الذى أطل على الحضور فى الجلسة الافتتاحية رافضا الحديث النمطى عن كلمة مطولة جيدة مكتوبة بعناية كما قال، أعدها له الأمين العام المساعد ومدير مكتبه السفير حسام زكى وهو أحد شباب الدبلوماسية المصرية الأكفاء المرموقين الناجحين الذى انتدب للعمل بالجامعة العربية برفقة الأمين العام الحالى حيث فضل أبو الغيط كلمة مرتجلة شارحا فيها تطورات الوضع العربى برمته وأمانة خالصة كان بعضها مؤلما عندما صارح الحضور بأن تراجع هذا الوضع العربى لم ينسحب فقط على مجمل الأوضاع السياسية والحروب والعبث الذى يضرب بعض العواصم العربية بعضها بعضا ما كان يسمى الربيع العربى أو الإرهاب الذى ضربها ونال من وحدة واستقرار الدول العربية.
بل إن الخطر الأكبر من جراء تلك الأوضاع ألقى بأوضاع مادية مأساوية على كيان الجامعة العربية سواء داخل مقرها بالقاهرة أو عبر مؤسساتها وأجهزتها ومكاتبها وهيئاتها العربية والاقليمية حيث ميزانية الجامعة العربية حدث ولا حرج الآن كاشفا للمرة الأولى وسط دهشة الحضور أن موازنة الجامعة وحصص الدول العربية الأعضاء بها زهيدة وقليلة للغاية ولا تتجاوز مائة مليون دولار سنويا ولكنه زاد البيت شطرا من الأسى والشجن عندما اعترف أنه رغم كل ذلك فإن عدداً من الدول العربية لم يسدد فترة من الوقت حصصه وأقساطه المالية حتى الآن وبالتالى ما تتحصل عليه الجامعة لاستمرار العمل ومواجهة تلك التحديات القاتلة التى يواجهها العالم العربى فى خضم أزماته ومعاركه السياسية وهى كثيرة والاقتصادية والتنموية والتعليمية والثقافية والاعلامية التى تحتاج إلى التكامل وتضافر الجهود لتحقيق الاندماج العربى المطلوب لا تتعدى نصف هذا المبلغ أو صراحة 48 فى المائة وهو المبلغ الذى تتلقاه حاليا وهذا يشكل أزمة طاحنة ومجحفة بحق الجامعة ومؤسساتها التى تريد العمل والصمود والبقاء الحى والناجح الحركى للجامعة للحفاظ عليها باعتبارها بيت العرب ومنصة ووحدة وتكامل العرب جميعا حيث دون الجامعة العربية والحفاظ على كيانها قل على العرب وأمتهم ومشتركاتهم ووحدتهم وأمجادهم وتراثهم وعلاقاتهم السلام والفناء. ولم أنس أن المقارنة التى طرحها الأمين العام أبو الغيط بين موازنة الجامعة العربية الكلية والكاملة وبين مؤسسة واحدة للأمم المتحدة وهى الوحدة الدولية لحفظ الأمن والاستقرار والقوات المتعددة الجنسيات التى تبلغ ميزانيتها وحدها عدة مليارات دولار سنويا ناهيك عن ميزانية الأمم المتحدة وهيئاتها الدولية المتعددة التى تبلغ مليارات كبرى على الرغم من التخفيض الذى أدخلته عليها الأمم المتحدة هذا العام حيث المقارنة بطبيعة الحال غير عادلة وظالمة بحق العرب وجامعتهم. ورغم كل ذلك وتلك الميزانية الضعيفة التى لا تذكر ولا تقارن بمنظمات دولية واقليمية أخرى فإن الجامعة كانت ومازالت ضرورية وملحة ووجودها حيوى ومهم ومركزى لقضايا العرب حيث إن البعض وأنا منهم لا تعجبنى ولا ترضينى الكتابات الانشائية والنيل المقصود لهدم كيان الجامعة العربية بحجة أنها لا تفعل شيئا وأنها والعدم سواء بحجة أنها فشلت فى حل قضايا سياسية معقدة وشائكة فشل العالم والأمم المتحدة قبل العرب وجامعتهم فى وضع حلول أو التوصل لنهايات مرضية لها.
فى تقديرى أن أول خطوة لإنقاذ الجامعة العربية وإحياء دورها هى ضرورة تقديم العون المادى والمالى والتزام دولها بتسديد حصصها حيث من المعيب أن تعانى الجامعة الآن القلة والندرة المالية التى تعجز فيها عن القيام بمسئولياتها العربية فى مجالات متعددة فى الوقت الذى تتزايد فيه ثروات العرب ودول وأفراد وباتت تبلغ ميزانياتهم تريليونات سنويا وجامعتهم تعانى وتئن من العجز والشح المالى حيث التاريخ الحديث والقديم يقول إن الجامعة العربية لن تنهض إلا إذا نهضت دولها وحافظت على كيانهم العربى خاصة أن أمينها العام الحالى أبو الغيط رجل مسكون بالنجاح للجامعة وتقدمها وانتشالها من واقعها وماضيها الأليم ويمتلك بحق رؤية واقعية وجادة لإنهاء أزمات العرب وجامعتهم فأعطوا الفرصة والعون والدعم لهذا الرجل.