د. محمود خليل
صناعة المشكلة.. ثم الشكوى منها
نحن عباقرة فى خلق المشكلات ثم الشكوى منها.. على هذه القاعدة تتأسس ثقافة الأداء فى مصر. تعالَ إلى نموذجين شهيرين يرتبطان بالأحداث التى تشهدها مصر حالياً، وهما نموذج الإعلام ونموذج السياسة. ستجد أن أياً من هذين المجالين يحتشد بالعديد من المشكلات التى خلقها نمط الأداء داخل كل منهما، فى وقت تعلو فيه أصوات المسئولين عنهما بالشكوى من هذه المشكلات.
منذ ثورة يونيو 2013 اتجهت أغلب الوسائل والأصوات الإعلامية إلى لعب دور «المطبلاتى» و«المهللاتى» و«المبرراتى». قد يقول قائل إن طرفاً ما طلب من الإعلاميين الأداء على هذا الشكل، لكن فى ظنى أن هذا الطرح يمثل وجهاً واحداً من وجوه الحقيقة. فجل الإعلاميين قاموا بهذا الدور على سبيل التطوع وليس التجنيد، مدفوعين فى ذلك بالبحث عن أدوار تفضى إلى مكاسب ومغانم. فغدوا ملكيين أكثر من الملك نفسه، وتسبب أداؤهم هذا فى تضخم «الأنا السلطوية» لدى العديد من المسئولين، فى وقت كانت تتورم فيه جيوبهم وتتنامى مصالحهم وتتصاعد أدوارهم وتعلو أصواتهم بالتشكيك فى وطنية من يؤدى على نحو مختلف ويعرف للإعلام حقه فى نقد السلطة ودوره فى تنوير الرأى العام. يشتكى الإعلاميون الملكيون اليوم من أن ثمة محاصرة لآرائهم ووجهات نظرهم التى قد تبدو مخالفة أو مختلفة. وليس أدل على ذلك من أن من يتحدث منهم ناقداً بعض الأوضاع اليوم يصدر نقده بعبارة «سأقول كلمتى حتى ولو تم استبعادى أو وقف البرنامج الذى أقدمه». إنهم يشتكون من مشكلة خلقوها بأيديهم بعد أن أنفقوا سنين طويلة فى التطبيل والتهليل على «الفاضية والمليانة».
على مستوى السياسة تجد أننا أمام استحقاق انتخابى مقبل يوشك أن يتحول إلى استفتاء. وهو أمر له تأثيرات سلبية (داخلية وخارجية) لا تخفى على أحد. كثيرون يكتفون أمام هذا المشهد بالولولة رغم أنه يبدو طبيعياً للغاية. وكل الأطراف التى تشتكى من المقدمات التى أفضت إليه، مثل محاصرة العمل السياسى، وخنق المجال العام، أو تشتكى من النتيجة التى أدت إلى وجود مرشح وحيد، ساهمت بطريقة أو بأخرى فى صنع المشكلة. لو أنك تأملت موقف أبرز منافسَين حاولا الدخول إلى المشهد الانتخابى، وهما الفريق أحمد شفيق والفريق سامى عنان، فستجد أن كليهما تحرك مدفوعاً بالرغبة فى تعقيد المشهد أكثر مما حركته الرغبة فى المشاركة فى انتخابات حقيقية. الفريقان عنان وشفيق خرجا من دولاب العصر المباركى، وتمسح أى منهما بثورة «يناير» لن ينقى ثوبهما من دماء شهدائها فى موقعة الجمل وما تلاها من مذابح. الفريقان يفهمان النظام الحالى أكثر منا جميعاً، وكلاهما كان يعلم النتيجة الحتمية التى سيصل إليها، وبالتالى فلم يكن الهدف لديهما هو الانتخابات، بل أهداف أخرى تصب فى تعقيد المشهد. تعالَ إلى الطرف الآخر والمتمثل فى السلطة، وستجد أنها بدلاً من أن تستغل فرصة الانتخابات لفتح المجال العام، وحرق هاتين الورقتين شعبياً، وتفويت الفرصة عليهما لتعقيد المشهد، إذ بها تؤدى بالشكل الذى يخدم أهدافهما!
العجيب بالنسبة للطرفين أن كلاً منهما يشكو الآن من الآخر، رغم أنهما شركاء فى صناعة المشكلة، وزملاء فى الشكوى منها!