فيتو
عماد صبحى
حدث مع «واحد صاحبي»
سأحكي لكم عن موقف تعرض له أحد أصدقائي، يكشف الفارق بين دولة بها شرطة وتطبق القانون بصرامة، ودولة شرطتها غائبة وقانونها "حبر على ورق".

عندما كنا في الإمارات نسي صديقي موبايله فوق ظهر إحدى السيارات، لاحظ أن هناك فارقًا بين أن تنسى موبايلك في مكان ما، وأن يسرقه منك لص متعمدًا، وهو نفسه الفارق بين سوء وحسن النية، وبعدما حرر صديقى محضرًا، جاءت الشرطة في الإمارات بالشخص الذي عثر على الموبايل فور أن فتح الجهاز من خلال خاصية التتبع، وكان ذلك في غضون 3 أيام من بلاغه، واستدعت صديقى الذي ذهب ليجد نفسه وجهًا لوجه مع ذلك الشخص، وكان من إحدى الجنسيات العربية فأخذ يبكي ويتوسل إليه ألا يتسبب في إيذائه، فأخذته الشفقة بالرجل وتنازل عن حقه رأفة بحاله.

صديقى هذا عاد من الغربة واستقر في مصر منذ عامين، وحدث أن كان مع أسرته في الإسكندرية فتعطلت سيارته، وفي أثناء البحث عن أسباب العطل، ظهر شخص طلب إجراء مكالمة لاستدعاء ميكانيكي من موبايل صديقي "الجديد والباهظ الثمن"، ثم زاغ واختفى في لمح البصر كـ "فص ملح وداب".

صديقى هذا ارتكب غلطة كبرى عندما اعتقد أن عودة موبايله المسروق "مسألة وقت" وأن هناك شرطة الاتصالات بالتنسيق مع شركات المحمول قادرة على أن تعيد له حقه.

لاحظ هنا الفارق بين متهم الإمارات الذي لم يسرق لكنه عثر على الموبايل ولم يبلغ عنه، ومتهم الإسكندرية الذي سرق الموبايل عن عمد ومع سبق الإصرار.

لكن صديقى تناسى أن في الإمارات لا يوجد باعة جائلون يبيعون خطوط الموبايلات في الشوارع، ومن المستحيل أن تشترى خطًا بغير الطرق الرسمية والشرعية التي حددتها الدولة، وتجاهل أنك هناك إذا قررت أن تبيع "جهاز موبايل" جديدا أو مستعملا، يجب أن تسلم صورة من بطاقة هويتك وتسجل رقم تليفونك لدى مالك المحل الذي يخطر الشرطة برقم السيريال للجهاز لكى يستعلم منها عما إذا كان مبلغًا بسرقته أم لا.

هذا النظام الصارم في الإمارات، وكذلك كاميرات المراقبة الموجودة في كل مكان هناك، تجعلهم قادرين على كشف غموض كل الجرائم التي ترتكب على أراضيهم حتى لو كان مرتكبوها أجهزة مخابرات تتخذ كل إجراءات الحذر والدهاء والمكر والحيطة، ومنها جريمة اغتيال الموساد الإسرائيلي لمحمود المبحوح، عضو كتائب عز الدين القسام، وجريمة مقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم، وغيرها الكثير.

بالمناسبة، أين القرار الذي أصدره جهاز تنظيم الاتصالات في 20 مايو 2015 بقصر بيع الشرائح الجديدة للمحمول على الشركات والفروع المملوكة لها فقط، وهو القرار الذي كان يستهدف محاربة التلاعب وتزوير البيانات وما قد يترتب عليه من تأثير سلبي فى الأمن العام، وبالتالي شطب الموزعين المخالفين الذين لا يلتزمون بتعليمات تدقيق بيانات المشتركين.

ورغم هذا القرار الذي اتخذ قبل ثلاثة أعوام مازالت خطوط الموبايلات تباع في الشوارع والميادين مثل علب السجائر والبسكويت أو أكياس الشيبسى، وفى أماكن معروفة وليست مخابئ سرية، ودون أن تظهر للبائع بطاقتك أو هويتك أو أي شيء، ثم تستطيع أن ترتكب بذلك الخط كل ما تريد من جرائم ومخالفات بمعزل عن أعين الشرطة ورقابة أجهزة الدولة.

صديقى هذا منذ أن فقد موبايله قبل 3 شهور "دايخ السبع دوخات" بين أقسام الشرطة والنيابات والمحاكم وإدارات التتبع وزارة الاتصالات وشركات المحمول في القاهرة والإسكندرية، أنفق من وقته وماله وأعصابه الكثير حتى فقد الكثير من وزنه وأصبح كمن يتبع "نظام ريجيم" قاسيًا، وصار أشبه بمن يجرى وراء عربة "الرش"، استأذنته في كتابة هذا المقال ودخلت معه في رهان أنه إذا استرد الموبايل بعد كل هذا "الجرى والمجهود والوقت الضائع" سوف أنشر مقالا آخر أقر واعترف فيه بأنه "كسب الرهان"، وبأننى كنت مخطئًا وأننا نعيش في دولة لا غابة أو شبه دولة.

كان يعجبنى في صديقى –حتى وقت قريب- إصراره وتمسكه بأهداب الأمل وتفاؤله بعودة الغائب، لكنه مؤخرًا بدأ اليأس يتسلل إليه وأصابه الإحباط وخيبة الأمل على طريقة موت "نسناس" محمود عبد العزيز في فيلم "جرى الوحوش"، وإلى أن يكسب الرهان، لا أملك إلا أن "أطبطب" عليه وأقول "انسى ياحودة".
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف