الوطن
د. محمود خليل
المؤسسات الخطرة..!
اختيار الأسوأ لا بدّ أن يؤدى إلى نتائج سيئة. ذلك ما أثبتته واقعة وفاة 7 مواطنين وإصابة 4 بعد سقوط أسانسير مستشفى بنها الجامعى بهم نتيجة تهالكه. نحن أمام مشهد دامٍ يمكن أن يتكرر فى العديد من المؤسسات: فى المستشفيات والجامعات والمصالح الحكومية. القيادات فى شتى المواقع تغيب عنها فضيلتان: أولاهما الاهتمام بـ«الصيانة»، وثانيتهما «المراجعة الدورية» لجودة الأداء داخل المؤسسة. هذا الأمر لا ينطبق على المصاعد فقط، بل ينطبق على أجهزة الكمبيوتر التى لم تعُد أى مؤسسة قادرة على إدارة أعمالها بدونها، ناهيك عن أجهزة المعامل داخل المؤسسات الحكومية التى تحتاج إلى هذه الخدمة.

داخل الكثير من مؤسسات الدولة لا توجه القيادات اهتماماً معقولاً إلى مسألة صيانة الأجهزة وعناصر بنيتها الأساسية. من السهولة بمكان أن تنفق أية مؤسسة ملايين الجنيهات فى شراء أجهزة وماكينات وأدوات، لكن يشق عليها كل المشقة أن تدفع بضعة آلاف مقابل الصيانة الدورية لما اشترته بالملايين. يقول بعض الخبثاء إن السبب فى ذلك أن حجم الانتفاع بشراء أجهزة جديدة يفوق بكثير حجم الاستفادة من عقود الصيانة!. لعلك تابعت بعض قضايا الرشوة التى كان أبطالها مديرى مشتريات بمؤسسات حكومية. من بين هذه القضايا برزت قضية «جمال اللبان» مدير المشتريات بمجلس الدولة الذى وجّهت إليه اتهامات بتقديم وتلقّى رشاوى لأداء عمل من أعمال وظيفته. وعندما قامت الجهات الرقابية بتفتيش منزله عثرت على ٢٤ مليون جنيه مصرى، و٤ ملايين دولار، و٢ مليون يورو، ومليون ريال سعودى، ومشغولات ذهبية. الشراء كله مكاسب، أما الصيانة فلا تحقق شيئاً. أخشى أن يكون ذلك هو السبب وراء إهمال عمليات صيانة الأجهزة والمعدات داخل الكثير من المؤسسات بهدف تكهين القديم والاستفادة من بيعه، وشراء الجديد الذى يحقق مغانم لذوى النفوس المريضة والضمائر المنتحرة. شعار «ليه تصلّح ما دام ممكن تشترى جديد تتربح منه؟» يحكم الكثير من العقليات التى تدير المؤسسات الحكومية. «أسانسير» مستشفى بنها ليس أول مصعد يسقط بركابه فى بئر الموت. حوادث عديدة من هذا النوع شهدتها بعض المؤسسات الحكومية. والسر دائماً يرتبط بالعقلية التى تدير والتى إن نجت من الفساد فلن تفلت من الإهمال والتقصير فى مراجعة «جودة الأداء» داخل المؤسسة، الأمر الذى يتسبب فى حرائق تندلع من حين لآخر داخل بعض المؤسسات، وسقوط مصاعد، وانهيار حوائط فوق بشر لا حول لهم ولا قوة، إلى حد يمكن معه القول إن الكثير من مؤسساتنا أصبحت «مؤسسات خطرة»، أو فى أقل تقدير جزءاً من «العشوائيات الخطرة».

أسلوب اختيار القيادات داخل العديد من المواقع أصبح بحاجة ماسّة إلى المراجعة. الأسلوب القائم كثيراً ما يؤدى إلى الدفع بالأسوأ نحو صدارة المؤسسات، لأن معيار الكفاءة لا يتم الاكتراث به كثيراً عند الاختيار، مقابل الاهتمام بمعايير أخرى بعيدة أشد البعد عن الموضوعية والصالح العام، مثل التقارير الأمنية، والقدرة على التسلّق، والميل إلى الانبطاح أمام القيادات وغير ذلك. يقول الله تعالى: «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل». رحم الله ضحايا مستشفى بنها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف