الجمهورية
لويس جرجس
النظافة بين "سلامة المراحيضي" و"حملة آدم"
خليك زي آدم مترميش حاجة علي الأرض" ذكرتني هذه الحملة ـ التي آمل أن نستجيب لها وتصبح شوارعنا نظيفة تليق بمكانة أم الدنيا ـ بالمفكر والكاتب والصحفي سلامة موسي. الذي تهل علينا غدًا ذكري مولده في الشرقية عام 1887.
سلامة موسي من رواد النهضة الفكرية والصحفية والدعوات الاجتماعية. وظل حتي مماته في 1958 يدعو لنهضة علمية تقوم علي محاربة تسلط الخرافات علي العقول. ويؤكد أن تحرير الطبقات المطحونة من عبودية الوهم والخرافة تؤدي إلي تحريرهم من عبودية الاستغلال الطبقي. هو أول من استعمل كلمة ثقافة في العربية لترجمة كلمة culture الأجنبية. بدأ موسي الكتابة وهو في العشرين من عمره. وترك تراثًا كبيرًا من المؤلفات "40 كتابًا" في مختلف المجالات. وأسس المجمع المصري للثقافة العلمية. وتتلمذ علي يديه نجيب محفوظ. لكنه ترك خلفه جدلًا كبيرًا بين من أشاد بفكره وبدوره الرائد في التنبيه إلي ضرورة إعمال العقل. وبين من انتقده انتقادًا لاذعًا وصل لحد قول البعض أنه "صفحة يجب أن تطوي من تاريخنا الثقافي".
المهم. أنه من بين كتب موسي الأربعين كتاب صدر في 1958 بعنوان "مقالات ممنوعة" تضمن مجموعة من المقالات التي مُنِع نشرها في حينها لأسباب مختلفة. بينها المقال الذي خطر علي البال فور رؤية حملة "خليك زي آدم". وهو بعنوان "نحو النظافة". المقال كُتِب في ثلاثينات القرن الماضي وفيه دعوة للنظافة مازلنا نحتاج اليها حتي الآن!.
يفتخر سلامة موسي في مقاله بلقب "المراحيضي" الذي أطلقه عليه أحد الصحفيين بقصد اهانته. بعد دعوته إلي نشر المراحيض في بيوت الفلاحين حفاظًا علي صحتهم. جاء في المقال: من التحيات السامية التي أعتز بها. والتي قصد منها قائلها أن يسبني. قوله قبل نحو ربع قرن: "سلامة موسي المراحيضي". وذلك أني كنت قد ألقيت محاضرة بالجامعة الأمريكية قلت فيها: إن الإصلاح الأول للريف يقتضينا سنَّ قانون لإجبار المالكين علي إيجاد مرحاض لكل منزل. لأننا بذلك نوفر النظافة للسكان كما نوفر لهم الصحة والكرامة. وحياني صحفي عريق في جهله بأني "مراحيضي".
ويستكمل: ما أجمل أن نكافح من أجل النظافة. وما أجمل أن نخدم الفلاحين وننظف منازلهم ونطهرها من القذر والعفن والذباب. وإنه لأليق وأشرف لكرامتنا أن نعامل الفلاح بالحب. فنتحري الوسائل والأسباب لنظافة بيته وهناء عيشته. فإننا حين نذكر الريف تجري علي ألسنتنا كلمات الأمن العام. وثمن القطن. والري والصرف. وتكاد ألسنتنا تجهل كلمات الحب والهناءة. والنظافة لسكان هذا الريف. ومع أني لست طبيبًا فإني أعتقد أن إيجاد المراحيض أجدي علي الصحة العامة للفلاحين من تطهير ماء الشرب. وليس هناك أيسر علينا من أن نسن قانونًا بإجبار المالكين علي إيجاد المراحيض في المنازل التي يبنونها. وليس أيسر علي الحكومة من أن تضع رسمًا يسترشد به المالكون. ويعملون وفقه. كي يوفروا النظافة لأكثر من عشرة ملايين مصري يعيشون بين برازهم وأقواتهم. إن الذهن الذكي والقلب البار لا يرضيان هذه الحال المزرية التي يعيش فيها فلاحونا. وليس من الإسراف أن نطالب المالكين بإنفاق جزء من الأموال التي يجمعونها من محصول القطن لتوفير النظافة والكرامة لنصف الشعب المصري أو أكثر.
انتهي كلام موسي منذ نحو ثمانين عامًا. ومازلنا في حاجة إلي حملات توعية بأهمية النظافة في حياة الشعب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف