الأهرام
عزت السعدنى
هذا هو ملح الحياة وسكر الحب وخبز العشرة الطيبة!
لم أكن أتوقع هذا الحصار الأنثوى من كلمة أنثى عندما ذهبت لألتقى بجمع من فضليات النساء وطيب السيدات ورائع الشابات فى لقاء دعيت إليه فى أحد أنديتنا الكبري.. هو فيما يبدو لأول وهلة أنه جرى بالمصادفة.. عندما كنت جالسا ذات صباح مشمس فى حديقة النادي.. فإذا بجمع نسائى من كل سن ولون وفكر يجتمعن من حولي.. ويقلن لى فى نفس واحد: قفشناك.. لدينا أسئلة محيرة كلها تتعلق بنا نحن الجنس الناعم وما نحن كذلك..

نريد لها جوابا وأنت صاحب أكثر من ألف مقال عن المرأة وصاحب كتب: إعلان موت الحب ونساء بلا شاطئ وعالم بلا نساء وعالم بلا رجال وكيد النساء والقراءة بالمقلوب وفجر الضمير المصرى وغيرها..

أسلمت أمرى إلى الله.. وقلت لهن: هاتوا ما عندكن؟

قالت سيدة وقور: لماذا يتهمون المرأة دائما بأنها صانعة كل المشكلات أو وراء كل ما يقابل الرجل فى حياته من أزمات.. بوصفها السبب؟

قلت: لأنه لا توجد مشكلة أو أزمة أو نزاع أو قضية.. إلا وكانت المرأة إن لم تكن هى السبب.. فهى شريكة على الأقل!

تعود تسألني: ولكن هل كل النساء متشابهات فى سلوكهن.. فى الحياة وفى كل ما يحدث للرجل من أزمات.. وفى النكد عليه كما يدعى الرجال؟

قلت: لا.. لا توجد امرأة تشبه امرأة أخري.. حتى لو كن من صلب أب واحد وأم واحدة وجمعتهن دار واحدة ومدرسة واحدة ودين واحد.. قسيس هنا وشيخ هناك.

والكلام سيداتى آنساتى ليس لى أنه لعمنا مكسيم جوركى الأديب الروسى الفذ صاحب رواية: «الأم»..التى قرأتها وأنا فى أولى ثانوى والذى قال فيها فيما أذكر: كل من خرج من رحم الأمهات متشابه إلا المرأة.. فكل واحدة تصبح امرأة أخرى عندما تشب عن الطوق وتحب وتتزوج وتنجب أطفالا..

وقال الكاتب والمؤلف النمساوى الشهير ستيفان زفايج: هات لى امرأة واحدة تشبه امرأة أخرى فى الشكل والطبع والسلوك والعواطف والأخلاق والتصرفات.. كلهن مختلفات!

هن يسألنني: ومين كمان؟

قلت: عمنا تولستوى الأديب الروسى الشهير صاحب ملحمة الحرب والسلام وأنا كارنينا التى تحولت فى مصر إلى فيلم نهر الحب لفاتن حمامة وعمر الشريف الذى قال: من فضل الله علينا أنه لم يخلق امرأتين متشابهتين فى كل شيء.. وإلا خربت الدنيا على يديهما!

>> ملحوظة من عندى حتى لا ننسي: لقد كنا يوم نزول أمنا حواء لأول مرة بأمر سماوى لتكون ونيسا وجليسا لأبينا آدم.. نعيش فى الجنة.. ولكن ماذا جرى بعد ذلك؟. ومن كان السبب فى نزولنا من الجنة إلى الأرض؟.. تلك حكاية أخري!

}}}

عدن يسألنني: قل لنا يا سيدى كيف استقبل سيدنا آدم أمنا حواء عندما نزلت إليه؟

قلت: ولأن كل الكتب السماوية قد أجمعت على أن الله تعالى أراد لها أن تملأ نهار آدم بالبهجة والمرح وليله بالونس والدفء والحنان.. فقد صحا سيدنا آدم ذات صباح وهو راقد على فراش سندس أخضر على شاطئ نهر مرح المجداف يتلألأ بنور الشمس.. ليجد إلى جواره مخلوقة آية فى الجمال والرشاقة والنضارة والريح الطيب تبتسم له فى شوق.. فاحتضنها وقبلها.. وتقبلها قبولا حسنا.. وقال هذا من فضل ربى عليَّ!

ولم يكن يدرى ساعتها أن من نسلها من ستكون نقمة على سائر البشر!..

ولأنه كان مقررا ـ كما تقول الكتب السماوية الثلاثة التوراة والإنجيل والقرآن ـ أن يعيش سيدنا آدم مع أمنا حواء فى الجنة.. ثم نولد نحن من نسلهما ونبقى طوال حياتنا خالدين فى جنة عرضها السماوات والأرض أعدها الله وجهزها للمؤمنين..

ولكن ولأن سيدنا آدم وأمنا حواء من البشر الخطائين.. فقد دفعت أمنا حواء ـ كما تقول الأناجيل ـ سيدنا آدم إلى الأكل من الشجرة المحرمة والانصياع لدسيسة الشيطان..

وإن كان القرآن الكريم يقرر هنا أن الخطأ هو خطأ سيدنا آدم بوصفه السيد والآمر والذى يتحمل خطأ رفيقة دربه.. حيث اعترف سيدنا آدم بخطيئته.. ولكن الله قرر عقابا لهما أن ينزلا إلى الأرض معا إلى حين..

وهكذا خرجنا نحن من صلب سيدنا آدم وأمنا حواء إلى جحيم الأرض.. نتعارك نتخاصم.. نتقاتل.. يحب بعضنا بعضا.. يكره بعضنا بعضا.. نملأ الأرض حبا وفرحا ورقصا ومرحا وخيرا وسلاما.. أو نملؤها كما نفعل الآن.. كراهية وبغضا وضغينة وحربا وقتلا وجرحا وتشريدا وتجويعا وفقرا وشرا وقهرا وتسلطا وجبروتا.. حتى يرث الله الأرض ومن عليها!

}}}

قالت أستاذة جامعية: وإذا كان تولستوى وستيفان زفايج ومكسيم جوركى وهم من أعظم من أنجبتهم الأرض فى الأدب والفكر قد أعلنوا أنه لا توجد امرأة فى الوجود تشبه امرأة أخري.. فكل النساء مختلفات طبعا وخلقا وتوجها وإحساسا..

أقاطعها بقولي: هذا صحيح تماما.. إلا أن أديبنا الكبير نجيب محفوظ فى ثلاثيته الرائعة خاصة فى رواية قصر الشوق قد أعلن صراحة أن كل النساء متشابهات.. كما جاء على لسان الممثل القدير عبد المنعم إبراهيم وهو يوجه كلامه إلى الممثل الناشئ أيامها نور الشريف ردا على سؤال الأخير: إيه الفرق بين ست وست؟

قال عبد المنعم إبراهيم ضاحكا: ما فيش فرق.. حتى لو اتجوزت الملكة بلقيس نفسها.. حتلاقيها بعد كده صورة مكررة من أى ست ثانية!

ولكن كاتبنا الكبير أنيس منصور كان له رأى آخر مخالف تماما.. فهو يقول هنا انه عندما وجد سيدنا آدم ذات صباح.. مخلوقة آية فى الجمال ترقد إلى جواره على شاطئ نهر من أنهار الجنة.. هذه الغادة الحسناء هى أمنا حواء التى رأى رب الأرباب زيوس ـ كما تقول الأساطير الإغريقية ـ أن آدم يعانى وحده من الوحدة ويمضى أيامه ضجرا قلقا.. فأرسل إليه أول أنثى نزلت إلى سيدنا آدم أبو البشر والتى اسمها: حواء لكى تدفئ فراشه وترافقه فى حياته بدلا من حياة الوحدة التى يعيشها هو.. حتى ولو كانت فى الجنة وكيف تكون الجنة جنة حقيقية دون حواء؟

ولكن سيدنا آدم بعد فترة.. أعادها إلى الرب زيوس قائلا: أنا لا أريدها!

ـ سأله الرب زيوس: لم؟

قال: لأنها فارغة العقل ضحلة الفكر..

وتتكلم كثيرا ولا تكف أبدا عن الشكوي.. كما أنها كثيرة البكاء ليلا!

ولكن آدم لم يطق صبرا على فراقها.. فطلب من الرب زيوس أن يعيدها إليه.. لأن صوتها وشدوها قد أوحشه كثيرا!وعادت حواء إلى كهف آدم على شاطئ نهر من أنهار الجنة!

يضحك جمع النساء الفضليات ويقلن فى صوت واحد: يا عزيزى الحياة لا تستقيم أبدا إلا بوجود المرأة إلى جوار الرجل!

قلت لهن: حتى بخصامها وكيدها ومكرها ونكدها؟

قلن فى صوت واحد: يا عزيزى هذا هو ملح الحياة.. وسكر الحب وخبز العشرة الطيبة!

}}}

فجأة تظهر لنا من بين أغصان الشجر وورود الحديقة .. الشاعرة العامية المبدعة نها قنديل

قال لها جمع النسوة والفتيات فى صوت واحد: تعالى شاعرة الحب والموت صبابة وعشقا وتدلها.. وقولى عنا ماعندك فى زمان الغدر والخيانة والإرهاب والكراهية والغربة والنسيان؟

لم نُكذب خبرا ..جلست وسطنا تشدو فى صوت حالم كأنه النغم الحزين:

قوللى ياصاحبي..

لساك فى حبال الهوا دايب..

لو ما انتش أد الحب ياصاحبي..

كان مين قال لك لازم تعشق..

كام كلمة حافظهم كده بتقولهم..

دا الصادق فى الحب بيغرق.

بص لحالي..

وبطل تمسك فى الحبل الدايب

لأحسن قلبك يولع يتحرق..

}}}

قوللى ياصاحبي..

لساها الناس بتغنى قديم..

أنا أصلى سألت..

لما ها أحب. أنا هأعشق مين..

قالوا استنى اسمعى لحليم..

واسأل ليه قالوا عشان بعيونه حزين..

.........................

.........................

الشاعرة الرقيقة التى أيقظت منها المواجع ولمسات الزمن الجميل والحب بتاع زمان.. نها قنديل مازالت تشدو بشعرها والناس والصحبة والنبل فى الخصال.. والصدق فى النزال.. نزال الحب والوعد والحق والاخلاص.. هى تقول لنا لكل خلق الله.. المحبين منهم:

قوللى لى ياصاحبي..

لسه الناس بترسم قلبين؟

ترسم قلبين ع الشجرة.. وسهم..

فجأة القلب الطيب..

مات م الغدر..

أتارينى عايش فى الوهم..

ياريتنى مسحت بسرعة..

كل وشوش الناس الخاينة..

.............

.............

قبل أن تتركنا لحال سبيلها قالت لنا الشاعر الرقيقة:

قولى لى ياصاحبي..

لساك فاكر مصر دى مين..

مصر دى حتة من الجنة..

وربنا قالها فى القرآن..

مصر عليها ربى تجلي..

وللأنبياء أم الأوطان..

وجندها خير جنود الأرض..

ومحروسة بوعد الرحمن..

.........................

.........................

الكل يصفق لمصر المحروسة من عين الرحمن.

ولكن فاجأتنى الشاعرة الرقيقة بسؤال لي: قل لنا ياسيدى ماهو بيت الشعر الذى مازال يملأ رأسك ووجدانك حلاوة ودفئا؟

قلت لها: هو موش بيت شعر.. ولكنه مجرد زجل عامى على لسان عم عصفور فى رواية نائب فى الأرياف لعمنا ومعلمنا توفيق الحكيم:

قال عم عصفور:

يا بنت يا أم الشعر ده حليه وادهنيه م العتر ياما..

دا الفارس إللى قتلتيه صبحت عياله يتامي!

يصفق الجميع لكلام عم عصفور..

وقلت للشاعرة الرقيقة: معلش ياست الستات: عم عصفور المرة دى يكسب! >> مصر دى حتة من الجنة.. وربنا قالها فى القرآن.. مصر عليها ربى تجلي.. وللأنبياء أم الأوطان.. وجندها خير جنود الأرض.. ومحروسة بوعد الرحمن >>
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف