فيتو
راجى عامر
انهيار الجدران
(1)
أخبرتني جدتي أنها شاهدت فيلمي (صراع في النيل) و(دماء في النيل) في السينما مع جدي، لكن بعد عقود من عرضهما لم يعد هناك صراع أو دماء في النيل إنما أصبح هناك خوف على النيل نفسه، وهي مخاوف مشروعة لكنها تتلاشى أمام كل دليل يؤكد قدرتنا على التعامل مع الأزمات الكبيرة، فمصر التي عُلقت عضويتها في الاتحاد الأفريقي بعد ثورة الثلاثين من يونيو تم انتخابها الآن بالإجماع لرئاسة الاتحاد.

بالانتقال من أفريقيا إلى أوروبا سيكون علينا اجتياز البحر المتوسط، تاركين ورائنا الحضارات القديمة والصراعات الحديثة، وعند الوصول سوف نعلم أن وزير بريطاني استقال، لأنه تأخر خمس دقائق عن حضور جلسة استماع في مجلس اللوردات، حيث ندم لأنه اعتبر أن سلوكه يدل على قلة الاحترام.

بالعودة من نهر التايمز إلى نهر النيل.. سنغادر الأحلام لنبدأ معايشة بالواقع.. فقد شاهدت نائبا وهو يدخل جلسة استماع خُصصت لمناقشة أحد الوزراء في مجلس النواب بعد بدايتها بساعتين وبدلًا من الخجل من عدم احترام ميعاد الجلسة، طلب من الوزير ببجاحة أن يُعيد كلامه مرة أخرى، ويحكي له ما دار خلال الوقت السابق، وعندما اعترض الأخير سخر النائب منه، وبدأ في إثارة المشكلات مع الوزير وطاقم مساعديه!

لم تعرف جدتي شيئًا عن مجالس النواب لكنها أخبرتني يومًا أن الإنسان يُولد محترمًا لكن إذا قام بأفعال تُفقده هذه الصفة عندها لن تحميه المناصب أو الأموال من نظرات الشفقة والاحتقار.

(2)
نصنع بأنفسنا جدرانًا لتحمينا لكننا أحيانًا نجد أنفسنا رهائن بداخلها.. سجناء نخشى إطلاق السراح.. قد ندعم الجدران حتى لا تصلها رياح التغيير خوفًا من الإصابة بعدوى التجديد التي ستُجبرنا على التخلي عما نعتقد.

ومن جدران السجن إلى قاعات السينما.. بدأت أحداث فيلم (العار) مع تاجر العطارة الورع الذي لا تفارقه "السبحة" حتى صدمتنا حقيقة تجارته في المخدرات، فسقط من مكانته دون قدرة على العودة إليها.

وبعد عقود من فيلم (العار) استطعنا التخلص من جماعة (العار) التي تلقى أتباعها صدمة اعتقال حفيد مؤسس الإخوان بتهمة الاغتصاب.. وبغض النظر عن ثبوت التهمة في النهاية من عدمه.. لكنها تظل صدمة مفيدة، لأنها ستفتح الطريق أمام البعض للبدء في التنقيب داخل الجدران التي صنعتها الجماعة حول المنتمين إليها، وعندها ستكون الفرصة سانحة أمامهم لكشف حقيقة تاجر العطارة الورع.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف