المساء
جلاء جاب اللة
الوعي الغائب
"الوعي الغائب".. أحد أهم أسباب الأزمة التي يعيشها الوطن العربي كله.. الوعي غاب بفعل فاعل.. فلو اننا نعيش علي الهامش بلا وعي لهان الأمر لأن القضية هنا ستكون هي التعليم والإعلام والتثقيف والإرشاد.. لكن الأزمة أكبر من ذلك لأن تغييب الوعي مقصود ومخطط له وأحياناً يكون هدفا في حد ذاته وأحياناً أخري وسيلة لما هو أهم وهو ضياع الوطن وغياب الحقيقة.
نحن نعيش حالة من الوعي الغائب تكاتفت جهات عديدة داخلياً وخارجياً لكي نصل إلي هذه الحالة ولكن هل من علاج؟
نعم العلاج موجود وليس مستحيلاً لكنه صعب ويحتاج إلي جهود جبارة.. ولا يكفي جهد الرئيس السيسي وحده بل لابد من تضافر كل الجهود لأن معركة الوعي أخطر من معارك كثيرة فهي ببساطة شديدة معركة الوجود!!
الإرهاب وعي مفقود والتعاطف مع الإرهاب وعي مفقود.. والفساد وعي مفقود والتعاطف مع الفساد وإيجاد مبررات له أيضاً وعي مفقود والخطاب الإعلامي الخطأ في معظمه وعي مفقود ورد الفعل وعي مفقود..!!
الأخطر في الوعي المفقود هو تغييب الوعي وتغييب العقل وبالتالي تغييب الإرادة.
المعركة الأولي التي واجهتنا كانت تغييب الوعي الذاتي.. وهناك فارق كبير بين الوعي الذاتي وتقدير الذات فالبعض يخلط بينهما.. لأن وعيك بنفسك ومعرفتك بذاتك ليس مجرد تقديرك لنفسك فالبعض في مجال التقدير لذاته يدعي انه علي صواب في كل شيء ويبرر لنفسه كل شيء.. ويدعي ان اخطاءه لها مبررات وان الخطأ في حد ذاته صواب لكن الناس لا تفهمه.
الوعي الذاتي هو مصارحة حقيقية لنفسك بنفسك ومعرفة حقيقية بإمكانياتك وشعورك وحقيقة مكانك بين الناس بداية من المجموعة الصغيرة التي تعيش بينها كأسرة أو عمل أو أصدقاء مقربين ثم الجماعة الأكبر فالأكبر حتي المجتمع كله.
تغييب الوعي الذاتي لا تتوقف آثاره عند ذاتك بل علي المجتمع ككل خاصة إذا كانت لك حيثية كرب للأسرة أو رئيس للعمل أو إعلامي مثلاً.. والوعي الذاتي هو نقطة الانطلاق للوعي المجتمعي سواء كان وعيا اجتماعيا أو دينيا أو سياسيا فعندما يكون لدي البعض تضخم في الذات تراه يحلل الأوضاع بطريقة غير منطقية.
الوعي الذاتي هو آفة نجحت بعض الجهات التي تستهدف مصر في خلق حالة غياب من خلال الدعاية المباشرة وغير المباشرة فتأثرت القيم الإنسانية لدي الكثيرين وأصبح المتمسك بدينه وقيمه ووسطيته كالماسك بالجمر!!!
تغييب الوعي الذاتي كان سببا مباشرا للإلحاد أو التطرف لأن هذه الذات ترفض أساساً الوسطية باعتبارها الحالة الطبيعية للإنسانية فالله سبحانه وتعالي جعلنا أمة وسطا بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان.
تغييب الوعي الذاتي كان مقصودا ومخططا له لأنه بداية تغييب الوعي العام وهو ما حدث لعدد كبير من المصريين والعرب والمسلمين.. واتضح ذلك في مواقف عديدة.. وشارك بعض الإعلاميين وقادة الرأي في تلك المهمة سواء بوعي أو بدون وعي.. بقصد أو بدون قصد.
الوعي الغائب هو ما يجعل البعض يفسر كل موقف وكل جهد علي طريقته الخاصة ولا ينظر إلي الكوب في نصفه المملوءة بالماء بل ينظر دائماً إلي النصف الفارغ.. ولا يسأل نفسه: من ملأ النصف المملوء وهل هو قادر علي ملء النصف الفارغ أم لا؟
الأزمة التي نستشعرها في قضية الوعي الغائب هي غياب الوعي السياسي.. وهذا أمر منطقي في ظل غياب الوعي الذاتي وفي ظل عدم وجود رؤية إعلامية واضحة وفي ظل غياب أي وجود لأحزاب سياسية سواء كانت حزبا مع الحكومة أو حزبا ضدها.. فالغياب واضح لأننا لا نعرف حزبا حقيقيا في الشارع حتي الآن وكلها وللأسف أحزاب ورقية وأحزاب شخصية..!!
تغييب الوعي الذاتي أصاب الوعي السياسي في مقتل كما أصاب الوعي الديني وأصاب الوعي الاجتماعي وأصبحنا أسري حالة من الوعي المفقود وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي هي الوسيلة الأولي للتواصل والوعي لأنها مجهلة ولا أحد يعرف أحد ومعظم الأسماء وهمية ومعظم الرسائل كاذبة وخادعة ولا أحد يعرف مصدرها الحقيقي وبالتالي تساعد علي تغييب الوعي.
الوعي الذاتي غائب حتي داخل الأسرة الصغيرة فلم يعد هناك تواصل حقيقي بين أفراد الأسرة تجدهم في المنزل مجتمعين في مكان واحد بالفعل ولكن كل منهم في عالمه الافتراضي من خلال التليفون المحمول ومواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الافتراضية.
عندما تري الرئيس السيسي غاضباً في حفل كبير يجب أن نفخر به جميعا تدرك مدي غياب الوعي!!
عندما تري رسائل الرئيس السيسي الغاضبة لمن يحاول أن يسيء إلي مصر أو يهدم أركانها أو تسول له نفسه أو من يسانده ويموله أن يسيء للدولة.. فإنك لابد أن تسأل نفسك: من هم هؤلاء الأشرار؟
وفي ظل غياب الوعي لدي الكثيرين فإن البعض قال انهم الاخوان والبعض قال انه من دفع بالفريق سامي عنان للترشح برغم مخالفته القانون وهو في الحقيقة أضر بعنان وليس بأحد آخر.. والبعض قال انهم الأحزاب التي طالبت بعدم حضور الانتخابات.. لكن هناك من يري ان الرئيس لا يقصد هؤلاء فقط بل يقصد من هم وراءهم داخليا وخارجيا لأن المخطط أكبر من ذلك بكثير.. ومن يشاهد ما يجري حولنا وما جري منذ الربيع العربي يعرف كيف تأثر الشارع العربي كله بغياب الوعي الذاتي ويعرف ما هي الحرب التي خاضتها مصر في السنوات السبع العجاف التي مرت بها من 2011 حتي الآن.. ولعل الله يرزقنا هذا العام إن شاء الله العام الذي ذكره سيدنا يوسف بعد السنوات العجاف وهو عام الخير والعطاء إن شاء الله.
معركة عودة الوعي تبدأ من الوعي الذاتي وليس من الوعي السياسي أو الاجتماعي.. لابد أن نعيد وعي الناس ذاتياً بالإعلام والتربية والثقافة والقدوة الحسنة واستغلال القوة الناعمة العظيمة التي تملكها مصر وكان الهدف في 2011 أن نقتلها ونهينها وبالفعل لم نعد نهتم بالقوة الناعمة ونحن نملك منها ما لا يملكه غيرنا وكذلك بعودة القيم الأصيلة في مجتمعنا وديننا وحضارتنا التي تضرب جذورها آلاف السنين من خير وعطاء ونماء.
عودة الوعي الذاتي هي البداية!!

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف