أشرف محمود
جورج ويا من ملعب الكرة الى كرسى الرئاسة!
يحق للرياضة وفى القلب منها كرة القدم، أن تتباهى بأن أحد زعامات العالم حاليا خرج من ملاعبها ليعتلى سدة الحكم فى بلاده، فى إشارة الى النجم الكبير جورج ويا الذى تولى رئاسة ليبيريا أخيرا بعد محاولتين لم يكتب له فيهما النجاح، لكنه لم ييأس وخاض التجرية للمرة الثالثة فكانت هى «التابتة»، ونال من خلالها ماتمني، غير أن السؤال: كيف لنجم رياضى أن يتحول من سماع آهات المعجبين الذين هتفوا له طويلا فى ملاعب أوروبا حين أمتعهم بموهبته الكروية التى منحت لقب الأفضل فى العالم وأوروبا وإفريقيا منتصف التسعينيات، ليستمع الى أنين المحتاجين فى ليبيريا الذين قهرهم الفقر، ويئسوا من صلاح الأحوال فى بلادهم التى كانت عرضة للانقسامات، وسالت فى أوديتها دماء الآلاف جراء الصراعات السياسية والعرقية، وكيف لمن كان يعيش فى أوروبا أن يعود الى أرض الجذور التى شهدت بدايته فيها مآسى كثيرة جراء الفقر المدقع الذى عانته أسرته وعائلته بل ومحيطه كله فى العاصمة مونروفيا، قبل نصف قرن من الزمان، لكن ويا الذى شده الحنين إلى بلده لم يستطع البقاء بعيدا عنه، فكان شعاره ككل أبناء القارة الأوفياء الذين بزغ نجمهم فى بلادهم ثم توجهوا شمالا إلى ملاعب أوروبا ليكدوا ويجتهدوا من أجل تأمين مستقبلهم حين عودتهم الى بلادهم، لذا كان ويا حريصا على التواصل مع بلاده، لم يرفض نداءها للدفاع عن ألوانها فى المنافسات الكروية، رغم أنه كان بإمكانه أن يلعب لأى منتخب فى أوروبا خصوصا فرنسا التى عرضت عليه، لكنه تمسك بليبيريته وزاد بتحمل مسئولية منتخب بلاده عندما احتدمت الحرب الأهلية ولم يجد منتخب ليبيريا من ينفق عليه ويتكفل بالتزاماته فى السفر والمعسكرات والأدوات ومصروفات اللاعبين والجهاز الفني، فكان أن تحملها جورج ويا راضيا مؤكدا أن التزامه وفاء لحق بلده عليه.
لكن المواطن جورج ويا لم يكن بعيدا عن أحوال بلاده السياسية، وكثيرا ما سأل نفسه: لماذا تتقاتل الناس ويتنازعون السلطة؟ ولماذا لا تكون الديمقراطية التى شهدها فى أوروبا حاضرة فى بلاده, وإلى متى ستظل العنصرية البغيضة تفرض كلمتها فى إفريقيا؟ كل هذه الاسئلة سمعتها من جورج ويا نفسه عندما شرفت بلقائه فى شرم الشيخ قبل ثلاثة أعوام فى بطولة كأس ساتوك العالمى للأطفال الأيتام والمحرومين، حيث لبى الرجل دعوة رئيسة الجمعية وحضر الى شرم الشيخ، ووجدته شخصا متواضعا ومنفتحا على الآخرين محبا للخير وحريصا على المشاركة فى الأعمال الخيرية خصوصا مايتعلق بالأطفال الأيتام والمحرومين، وعلى مدى ثلاثة أيام قضاها ويا فى شرم الشيخ، لفت نظر الجميع بهدوئه وتواضعه وابتسامته الدائمة، واكتشفت أنه يملك إصرارا على تحقيق أهدافه كما كان يسجلها فى شباك منافسيه، لم يكن حزينا على خسارته الانتخابات الرئاسية مرتين عام 2005 و2011، وواصل اجتهاده حتى حصل على عضوية مجلس الشيوخ فى عام 2014، وبعدها طرح نفسه من جديد رئيسا للبلاد فالتف حوله هذه المرة الشباب والفقراء كل منهم يرى أن ويا هو الأقرب إليه، فكان النجاح الكبير ليعتلى سدة الحكم كأول لاعب كرة محترف يصل إلى هذا المنصب الرفيع فى العالم، غير أنه لم يسلم من الانتقادات التى قللت من قدرته على النجاح فى المنصب، لأنه مجرد لاعب كرة وليس له نصيب وافر من التعليم حيث يعتبرونه متسربا من الثانوية لكنه يقول إنه حصل على الشهادة العليا فى إدارة الرياضة عبر التعليم عن بعد فى أثناء وجوده فى أوروبا، لكن الأهم ماقاله ويا فى حفل تنصيبه، إذ وعد شعبه بتنفيذ برنامجه الانتخابى ومحاربة الفساد فى البلاد والقضاء عليه، وقال بلهجة حاسمة: لن أخذلكم فمهمتى قيادة الأمة من الانقسام إلى الوحدة ورد على منتقديه: مئات السنين حكم فيها المتعلمون فماذا فعلوا بتعليمهم وخبراتهم؟! وتوقف بعقلية الحكيم عند النقطة التى كانت تؤرقه دائما قبل توليه المنصب فقال للآلاف ممن حضروا حفل تنصيبه فى استاد مونروفيا: يجب ألا تكون الدماء هى ثمن الديمقراطية، فى إشارة لرفضه الحرب الأهلية، وزاد بإعلانه تخفيض راتبه بنسبة 25% لمعاونة بلاده فى الخروج من أزمتها الاقتصادية الطاحنة وطالب الجميع بالتعاون لإنقاذ البلاد منها مطالبا الجميع بأن يتناسوا انتماءاتهم السياسية من أجل التعاون لمصلحة ليبيريا، هذه هى الرياضة التى تعلم فى ملاعبها جورج ويا كل القيم النبيلة التى تحض عليها، تعلم فيها التعاون من الزملاء والعمل بروح الفريق الواحد من أجل تحقيق الفوز وتعلم فيها ضرورة تقبل الآخر، وأدرك أن المنافسة الحقة تلك التى تكتسى بالشرف والاحترام، وأن هناك قوانين ضابطة لهذه المنافسة وعلى الجميع الانصياع لأحكامها، لأنه ساعتها سيعم السلام وتصفو النفوس.