الأهرام
سناء البيسى
تنشيط ثقافى -1-
قالت وهى تزف لى خبر عقد قران ابنة الرابعة عشر التى طالما صدعت رأسى بحكايات تفوقها الدراسى «جواز البنات سُترة»!!

لم تكن المرة الأولى ولا أظنها ستكون الأخيرة التى أسمع فيها هذه النوعية من البشارات التى تتحدى تاريخا طويلا ليس فقط لإثبات حق صاحبات نون النسوة فى التعليم والعمل واختيار شريك العمر المناسب والمشاركة الإيجابية فى المجتمع بل أيضا الدراسات الطبية والاجتماعية و النفسية وبرامج ومنشورات وإعلانات وزارة الصحة ووزارة اختفت كان يُطلق عليه وزارة السكان، أجمعت على مخاطر الزواج والحمل فى سن مبكرة..

خايلتنى حكاية الطفلة اليمنية نجود التى روت الكاتبة الإيرانية الفرنسية ديلفين مينوى فى كتابها «أنا نجود» قصة إرغامها على الزواج وهى بعد طفلة، وابنة التاسعة المصرية التى اعتبرت الزواج فرصة للذهاب للملاهى واللعب بالمكعبات مع زوجها!!

طغت علامات الاستفهام على إحباط تملكنى وأسف لما قد تشعر به فتاة ناجحة تُجهض الأعراف حقها فى التعليم.. لماذا ما تزال مجتمعاتنا أسيرة لمفاهيم تعرقل مسيرة التنمية وتعود بنا لنقطة الصفر فى قضايا ومفاهيم قتلناها بحثا لسنوات وأصلها كبار الكتاب والمفكرين وأقمنا حولها برامج ومشاريع ثقافية كبري؟! لماذا ما يزال الواقع اليومى والإحصائيات تؤكد أننا ما نزال نسير فى دوائر مغلقة لا تحقق تراكما نصل من خلاله لكلمة قاطعة فى إشكاليات، تخبو حينا فنظن أنها انتهت ثم ما تلبث أن تطل برأسها الأفعوانى لتسمم حياتنا من جديد وتُجهض أى محاولة للإصلاح حتى قبل ميلادها؟!

والأمثلة لا حصر لها، بدءاً من دعاوى التكفير والخروج عن الملة وصولا لحق المرأة فى التعليم والعمل..

فعلى أرض الواقع وبرغم ملايين السطور التى خطها رواد الإصلاح على مر العصور فى المنطقة العربية، وفى بلادنا تحديدا، وحزمة القوانين التى تم إصدارها على مر سنوات طويلة لم تنته الأمية ولا الفقر ولا تدنى الوعى الاجتماعى والثقافى حتى بين بعض سكان المدن!!. فلقد كشفت إحصائيات القمة العالمية للحكومات فى فبراير 2017 أن 57 مليون عربى لا يعرفون القراءة والكتابة وأن 13.5 مليون طفل عربى لم يلتحقوا بالمدرسة فى ذلك العام وأن30مليون عربى يعيشون تحت خط الفقر وان معدل الزيادة فى الفقر ارتفع فى العامين الأخيرين فى المنطقة العربية بنسبة 8%. وفى مصر وتحديدا فى أكتوبر 2017 أعلن جهاز التعبئة والإحصاء أن نسبة انتشار الأمية بين المصريين «10 سنوات فأكثر»، 25.8% وأن صعيد مصر الأعلى فى انتشار الجهل والأمية، حيث احتلت محافظة المنيا المركز الأول بين محافظات وجه قبلى بنسبة 37.2%، تلاها بنى سويف بـ35.9%، فيما سجلت نسبة الأمية فى محافظات أسيوط والفيوم وسوهاج، 34.6%، 34%، 33.6%، على التوالى بينما سجلت محافظة القاهرة، نسبة 16.2% للأمية من إجمالى عدد سكان بها، وتلتها محافظة جنوب سيناء التى سجلت نسبة أمية 16.6%، ثم محافظة الإسكندرية بنسبة 19%، واتضح انخفاض نسب انتشار الأمية فى محافظات وجه بحرى عن وجه قبلى.

ورغم أن العادة جرت أن نرجع أسباب الحالة السابق ذكرها وغيرها من الحالات التى يعج بها الشارع المصرى وغيرها من المشاكل الاجتماعية للعامل الاقتصادى والأعراف و التقاليد إلا أن مجمل نتائج الدراسات الاجتماعية والتنموية تشير بوضوح لمشكلة تجاهل البعد الثقافى الذى يعتبر معاملا رئيسيا فى ضبط التفاعل الاجتماعى، وفى توجيه سلوكيات البشر وتشكيل الواقع الاجتماعى.

مرة أخرى يفرض السؤال نفسه لماذا لم تحقق كل المشروعات الكبرى سواء على مستوى الدولة أو المؤسسات والأفراد تراكما ثقافيا حقيقيا على مستوى الفرد والجماعة لتصبح جزءا لا يتجزأ من الشخصية والممارسة اليومية،لا مجرد مأثورات بليغة لا يتعدى أثرها المداد الذى سود سطورها؟! ما معنى حالة الانفصام بين ما يدور فى مجتمع النخب وما يطرحه المثقفون والمتثاقفون فى الندوات وما يقرره صناع القرار، وبين ما يدور على أرض الواقع؟!

وللحديث بقية..
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف