جمال سلطان
أخطر منافس للسيسي في الانتخابات الرئاسية ؟!
كان الناس يتندرون في الانتخابات الرئاسية الماضية 2014 عندما كانت المنافسة محصورة بين السيسي وحمدين صباحي ، فأظهرت النتائج أن ترتيب حمدين هو الثالث ، رغم أنه لا يوجد أي مرشح آخر ، لأن الأصوات الباطلة كانت أكثر من الأصوات التي حصل عليها حمدين ، ولكن الصورة هذه المرة ستكون مختلفة ، حتى وإن حملت من الفكاهة والتندر شيئا مما حملته الانتخابات السابقة .
الرئيس عبد الفتاح السيسي ينزل الانتخابات الجديدة بلا منافس فعليا ، لأن عملية الدفع بالمهندس موسى مصطفى ، أحد أبرز مؤيدي السيسي والمبشرين بإنجازاته هي مسرحية سخيفة تم سلقها على عجل ، وورط بعض الإعلاميين النظام كله فيها ، مما تسبب في سخط واسع على العملية الانتخابية من قبل أن تبدأ ، في الإعلام العالمي والمحلي ، وبالتالي فلا يوجد أي مرشح منافس ، ولا تهديد من منافس في الانتخابات ، ولكن التهديد الحقيقي للسيسي في هذه الانتخابات يأتي من الناخبين أنفسهم ، سواء من سيقاطعون الانتخابات أو من يبطلون أصواتهم لضمان عدم تزويرها على الأقل .
القلق المتزايد في الإعلام الرسمي والإعلام الموالي للأجهزة هذه الأيام من دعوات مقاطعة الانتخابات يعطي الانطباع واضحا على أن هذه المسألة باتت أكثر تهديد لصورة الانتخابات ومخرجاتها ، وبدأت التهديدات تظهر في مواجهة دعوات المقاطعة ، التهديدات بالسجن والغرامة ، مما يشي بمستوى التوتر والقلق من نجاح تلك الدعوة ، وذلك أن خروج الانتخابات بنسب تصويت متدنية سيكون أقرب للتصويت السلبي ضد السيسي بطبيعة الحال ، وإذا تخيلنا أن نسبة التصويت لم تتجاوز العشرة في المائة من أصوات الناخبين المقيدين أو أقل من ذلك ، فهذا سيمثل طعنا في شرعية الرئيس الجديد أو الولاية الجديدة بطبيعة الحال ، ويضعف من موقعه ومقامه في الداخل وأمام المجتمع الدولي ، باعتبار أنه ـ عمليا ـ لا يمثل الشعب المصري ، وإنما يمثل شريحة هامشية صغيرة منه ، وهذا هو المحرج جدا الآن ، والذي يبدو أنه يثير قلق دوائر رسمية رفيعة .
شيء من هذا أو قريب منه حدث في الانتخابات الرئاسية الماضية ، على الرغم من أن السيسي نزل فيها في وقت كان عنفوان الأحداث السياسية يصب إيجابيا لصالحه على المستوى الشعبي ، وآمال كثيرين ما زالت منعقدة على صلاح الحال في المعيشة والأمن والاقتصاد والسياسة ، ومع ذلك تدنت النسب وبدا الخطر الذي اضطر منصات الإعلام الموالية إلى توجيه النداءات العلنية الأقرب للاستغاثة إلى الشعب من أجل النزول والتصويت ، وتم مد أيام التصويت لثلاثة أيام ، رغم أن اللجان بدت فارغة من عصر اليوم الأول نفسه ، وهو الأمر الذي جعل البعض يضع علامات استفهام حول ما جرى في اليوم الثالث .
هذه المرة ، شراع السيسي لا يحمل الكثير مما يقنع الناس أو يحشدهم ، فالحال لا يسر ، والناس مرهقة ، والأمل انطفأ ، والرجاء خاب ، والأفق متوتر والخطاب الرسمي ينذر بالمزيد من الإرهاق المالي والاقتصادي والدعوة إلى الصبر والتحمل من أجل أجيال تأتي بعدنا ، وهو ما يجعل قطاعا واسعا يرجئ عناء التصويت والمشاركة إلى تلك الأجيال ، وبالتالي فهناك خوف حقيقي من عزوف الناس عن النزول والتصويت ، وهناك توتر وغضب أكبر من أي دعوة لمقاطعة الانتخابات ، فظهرت التهديدات القانونية ، والتهديدات الدينية أيضا ، حيث روجت فتاوى رسمية تجعل الامتناع عن التصويت من كبائر الإثم والفواحش ، وهي حالة هوس لم يكن يليق أن يتم الزج بالدين وحرمته فيها .
السيسي في حديثه الأخير لوح بأنه قد يلجأ إلى "المصريين" لتفويضه من جديد لمواجهة من أسماهم "الأشرار" ، ولم يتنبه إلى أن التحدي الذي يلوح به على بعد خطوات منه ، ولا ينتظر دعوته ، فهي دعوة دستورية للمصريين بالنزول والإدلاء بأصواتهم في الانتخابات ، وهو اختبار تفويض حقيقي يمكن رصده بالأرقام الصحيحة وليس بالأرقام الجزافية عن مظاهرة في الشارع ، وإذا حدث عزوف من "المصريين" عن التصويت في الانتخابات فستكون أقرب لسحب التفويض أو استفتاء سلبيا على ولايته الجديدة .