المساء
خيرية البشلاوى
اللي مالهوش "تاريخ".. مايتعملهوش "حساب".
لم أشاهد الفيلم اللبناني "القضية 23" المرشح لإحدي جوائز الأوسكار 2018. ولكنني تابعت الجدل المثار حوله منذ فترة وحول الموقف من مخرجه زياد الدويري "بيروت الغربية" سواء في لبنان أو هنا في مصر.
ومنذ أيام اشتدت حدة الجدل حول الفيلم بعد أن قرر ملاك سينما "زاوية" "Zawya) في وسط البلد عرضه. ضاربين عرض الحائط بضرورة مقاطعته من قبل "حركة مقاطعة إسرائيل".
وحتي ينفوا عنهم تهمة التطبيع مع العدو الإسرائيلي أصدروا بياناً لم يقنع أحداً من الذين تولوا التعليق عليه. فاتهموه بالركاكة واعتبروه محاولة للالتفاف والمراوغة وممارسة التطبيع تحت دعاوي مضللة.
و"البيان" الذي صدر عن ملاك دار السينما "زاوية" يتعامل مع التطبيع "بالقطعة" وليس بناء علي موقف متكامل من صانع الفيلم ومن العلاقة مع إسرائيل. بقول آخر. للمخرج زياد الدويري فيلم بعنوان "الصدمة" يستحق المقاطعة لأنه يتبني سياسات تطبيعية مع العدو الإسرائيلي. علي خلاف فيلم "القضية 23" الذي لا يستحق المقاطعة "!!" بغض النظر عن منتجه الصهيوني شارلز كوهين.
ودون الالتفات لتصريحات المخرج ومواقفه العملية ولأصحاب سينما "زاوية" منطق آخر يقول حسب "البيان" الذي اعلنوه: إن حركة مقاطعة إسرائيل هدفها عزل الدولة الإسرائيلية ولا تهدف إلي عزل أفراد أو إبعاد العرب بعضهم عن بعض مهما اختلفت وجهات نظرهم "!!".
وبغض النظر عن المنطق المتهافت فإن رأيي الشخصي هو أن سينما "زاوية" مشروع تجاري بضاعته "الفيلم" والفيلم بضاعة "ثقافية" وهذا صحيح. ولكن التجارة لا دين لها ولا وطن وتخضع للمصلحة. والمصلحة في هذه الحالة تقتضي التعامل مع المؤسسات الإنتاجية أيا كانت توجهاتها ودون النظر عن مواقفها من إسرائيل.
المؤسف أن نفراً قليلاً ممن علقوا علي بيان "زاوية" وموقفها من مقاطعة الفيلم اللبناني. فصلوا بين السينما والسياسة وهذا محض جهل وافتئات علي دور الفيلم. فالسينما وعاء مرئي لأنها "لغة" ولغة جذابة جداً ولديها أدوات تعبير آسرة وساحرة وتسهم بقوة في صناعة البنية العقلية للمتفرج فهي لا تتوجه فقط للقلب والوجدان والمشاعر وإنما ايضا للعقل وبنفس الدرجة والصهيونية المشروع الذي منح إسرائيل "أرضاً بلا شعب" استخدمت وسيط الفيلم ووظفته بقوة لتكريس هذا الاستعمار الاستيطاني الغربي في قلب المنطقة العربية. وهوليود كانت ومازالت "امبراطورية" داعمة لإسرائيل وبالطبع للسياسات الأمريكية التي تتبني إسرائيل والمشروع الصهيوني الغربي والشيء الغريب أن يري البعض أن السينما تتم بمعزل عن السياسة. راجعوا أفلام المخرج والمنتج الصهيوني اليهودي ستيفن سبلبرج وانجازاته لإسرائيل واستخدامه البارع كفنان وصانع فيلم مبدع في تكريس المشروع الصهيوني وتابعوا دور الفيلم في معارك الأفكار. وبادروا بقراءة الكتاب القيم "امبراطورية ملكاً لهم" للمؤلف الأمريكي نيل جابلر لتكتشفوا كيف صنع اليهود "هوليود" وكيف شكلوا البنية الأساسية لصناعة بالغة القوة والتأثير - ايدولوجيا - ولا يعني هذا غياب الروائع العظيمة والأفلام الضخمة وأنواعها وموضوعاتها التي تطول كل "السياسات".
وسينما "زاوية" لا تخضع ربما للسياسة بمعناها المباشر ولكنها لديها "سياسة" لا تمانع في عرض الأعمال دون النظر إلي توجهاتها إلا إذا أضرت بصورة أو أخري "بمصالحها" ومنها علاقاتها بالمؤسسات الثقافية الغربية التي تتعامل معها وهو الامر ربما الذي يجعل مالكتها المنتجة والمخرجة ماريان خوري - تتصدي بقوة لمنع الفيلم السوري "العاشق" من الاشتراك في مهرجان القاهرة حين كانت مديرة فنية للمهرجان "2012" علي رغم أن منتجه بشار الأسد ولكن هذا الموقف يتحول إلي النقيض مع منتج صهيوني يمتلك شركة إنتاج تقف وراء أعمال مناصرة لإسرائيل.
ومن الأشياء التي لفتت نظري وسط هذا الجدل الساخن الدائر حول فيلم زياد الدويري هو أن صناع السينما والعاملين في حقلها عموماً أصبحوا بفضل التقدم الكبير في وسائل التواصل الاجتماعي. مكشوفين للعامة والخاصة. وأن التكتل غير المدبر ولا المنظم ضد قضية التطبيع مع إسرائيل ورصد "المطبعين" المستفيدين من مواقفهم التطبيعية قادر علي التصدي ولو نظرياً وأحياناً عملياً ولديهم قدرة علي التأثير.
وهناك من النقاد والعاملين في الحقل السينمائي من أصبحوا يجيدون التعامل مع مصادر المعرفة ويستطيعون رصد العملية الإنتاجية والأسماء الضالعة فيها وتوجهاتهم ومواقفهم الايدولية الداعمة لإسرائيل وللصهيونية من خلال السينما ومنهم نقاد تصدوا بالفعل وساعدوا في الكشف عن مخرج "القضية 23" ومواقفه وعن كنه المنتج والحقائق التي لا يستطيع أحد إنكارها فالمعلومات أصبحت متاحة ولا أحد يستطيع أن يتجاهل بعض حقائق تبدو واضحة للعيان. ولكن المهم والأهم أن "نفهم" ونحلل المضامين بموضوعية ونكتسب سلاح "المعرفة" الذي هو أهم سلاح في المقاومة مع "إسرائيل".
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف