المصريون
احمد زكريا عبد اللطيف
الحملات المسعورة ضد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن الناظر للحملات المسعورة ضد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم،ومحاولة تشويه تلك الصفحة الرائعة من تاريخ البشرية، قد يتعجب من ذلك ولماذا يحدث، ولكنه لو أعاد النظر إلى التاريخ الإسلامي لوجد تشويها عجيبا لحقائق التاريخ.
وإن من أكبر الآثام التي يرتكبها أعداء هذه الأمة هي إجبار التلاميذ والطلاب على دراسة مناهج مشبعة بالتنقيص من قدر الصحابة أو من قدر بعضهم في محاولة لهدم الرموز، حتى تفقد الأمة ثقتها في سلفها، فتنقطع الصلة بين السلف والخلف، فبتزوير التاريخ الإسلامي، تصبح هذه المناهج المزورة المختلقة أنجح الطرق لكل من أراد أن يسمم عقول الأجيال بقطع الصلة بينها وبين سيرة الصحابة وجهادهم كي لا يتخذوا مثلاً أعلى.
وليس هذا في الحقيقة فقط في حق الصحابة، وإنما هو في حق التاريخ الإسلامي بعامته، فهناك بعض الناس من يقوم بتشويه هذا التاريخ؛ لأن هذا القدح هم قد أعلنوا عنه في مؤتمراتهم ومؤامراتهم، أنه كي نقضي على المسلمين لابد أن نقطع صلتهم بأسلافهم وبأمجاد أسلافهم، ويشوهون هذه السير بكل ممكن، حتى صار هذه الأشياء من الأمور المسلمة.
فمثلاً زعمهم في قصة التحكيم التي لم تثبت أن عمرو بن العاص كان داهية ماكراً، وأما أبو موسى فكان غراً يخدع به، وأن عمرو بن العاص خدع أبا موسى وقال له: أنا خالعت صاحبي، وقال: أنا ثبت صاحبي.
يعني: هذه القصة باطلة، والكلام الذي فيها يشهد ببطلانها، وأنه إذا كان أبو موسى يقول: خلعت صاحبي، يعني: خلعت أمير المؤمنين هل هذا حصل؟ كيف.. ليس له أن يخلعه.
والثاني يقول: ثبت صاحبي، معاوية أصلاً ما كان أمير المؤمنين ولا كان يطمح في ذلك، وما كان ينبغي له ذلك في وجود علي رضي الله عنه، وإنما تاق إلى الخلافة بعد وفاة علي رضي الله عنه، فهي نفسها تحمل ما يدل على كذبها، وعلى ضعف أسانيدها، وغير ذلك من أمثال هذه الروايات في سير الصحابة، وأنهم كانوا دمية، وكانوا يتقاتلون من أجل المال والسلطة والسياسة والسيادة والرئاسة وغير ذلك، تشويهاً لتاريخهم، يعني: يضعون الحواجز، وكل ذلك لأجل ألا يقتدي المسلمون بالصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
طبعاً! كتب التاريخ الدراسية عموماً تشوه تاريخ الصحابة بالذات، وتشوه التاريخ الإسلامي بعامة - يعني: كثرة الطعن في التاريخ الإسلامي - وإظهاره أنه كله عبارة عن قتل وذبح وصراعات، هذا كله خلاف الحقيقة، بل إنما حتى الدولة الأموية والدولة العباسية لابد أن الناس في زمانهم أشبه منهم بآبائهم، وكلما بعدوا عن القرون المفضلة كلما حصل نوع من الانحراف عن المنهج السوي، لكنه انحراف درجته كانت خفيفة بالنسبة لما نحن عليه الآن.
وأضعف مثال للخلافة الإسلامية هي الخلافة العثمانية المتأخرة، لاشك أنه كان لها من الآثار الإيجابية ومن الأمجاد ما لا نطمح إلى عشر أعشاره اليوم، حتى الخلافة الأموية أو الخلافة العباسية ليست بالصورة المشوهة التي يصورونها، لكنها صحيح تسلط الضوء على الصراعات التي لم تخل منها أمة ولا يخلو منها زمان.
لكن هذا لا يصرف النظر عن الخيرات التي كانت موجودة كالنهضة العلمية، والجهاد في سبيل الله، وفتح الفتوح، وأخلاق المسلمين والتزامهم وغير ذلك من فوائد هذه الدول، أقيم فيها الحكم بما أنزل الله سبحانه وتعالى، وتطبيق شريعة الله، وقمع أهل البدعة والضلال، فضلاً عن مجاهدة الكفار في أطراف الأرض، كل هذا يجحد ولا يسلط عليه الضوء.
وإنما يسلط على صورة ما يعلق في أذهان الناس كالجواري والغناء والمعازف وكل هذه الأشياء والأكاذيب والخمر وكل هذا كذب وطعن.
إذا رجعت إلى سيرة هارون الرشيد رحمه الله تعالى وجدت العجب في عبادته ودفاعه أو جهاده في سبيل الله تعالى، كان يحج سنة ويجاهد سنة، طوال عمره، تسليط الضوء فقط على السلبيات هذه مؤامرة مقصودة، وأما التاريخ فهو حافل بالإيجابيات، لكن لا يسلط الضوء على الإيجابيات.
عدالة الصحابة وموقف المسلم مما جرى بينهم:
وقد حرر الإمام الذهبي هذه المسألة في سير أعلام النبلاء فقال:
"كما تقرر الكف عن كثير مما شجر بين الصحابة وقتالهم رضي الله عنهم أجمعين . وما زال يمر بنا ذلك في الدواوين والكتب والأجزاء ، ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف ، وبعضه كذب ، وهذا فيما بأيدينا وبين علمائنا، فينبغي طيه وإخفاؤه ، بل إعدامه لتصفو القلوب ، وتتوفر على حب الصحابة والترضي عنهم ، وكتمان ذلك متعين عن العامة وآحاد العلماء.. وقد يرخص في مطالعة ذلك خلوة للعالم المنصف العري من الهوى بشرط أن يستغفر لهم ،كما علمنا الله تعالى حيث يقول "وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَ ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا " (الحشر 10). فالقوم لهم سوابق ، وأعمال مكفرة لما وقع منهم ، وجهاد محاء وعبادة ممحصة ، ولسنا ممن يغلو في أحد منهم ، ولا ندعي فيهم العصمة .. فأما ما تنقله الرافضة وأهل البدع في كتبهم من ذلك ، فلا نعرج عليه ولا كرامة ، فأكثره باطل وكذب وافتراء ، فدأب الروافض رواية الأباطيل ، أو رد ما في الصحاح والمسانيد ، ومتى إفاقة من به سكران" (سير أعلام النبلاء 10 / 92)
وقال الإسفراييني:
"واحذر من الخوض الذي قد يزري بفضلهم مما جرى لو تدري




فأنه عن اجتهاد قد صدر فاسلم أذل الله من لهم هجر"




فبين أن الخوض المحرم هو الخوض المؤدي إلى انتقاص أحد من الصحابة أو سبه .
قال الشوكاني: رحمه في جوابه لمن سأله عما جرى بين الصحابة :
"إن كان هذا السائل طالبا للنجاة ، فليدع الاشتغال بهذه الأمور في هذا المضيق الذي تاهت فيه الأفكار ، فإن هؤلاء الذين تبحث عن حوادثهم وتتطلع لمعرفة ما شجر بينهم قد صاروا تحت أطباق الثرى ولقوا ربهم في المائة الأولى من البعثة وهانحن الآن في المائة الثالثة عشرة ، فما لنا والاشتغال بهذا الشأن الذي لا يعنينا "ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " وأي فائدة لنا في الدخول في الأمور التي فيها ريبة.. وقد أرشدنا إلى أن ندع ما يريبنا إلى ما لا يريبنا .ويكفينا في تلك القلاقل والزلازل ، أن نعتقد أنهم خير القرون وأفضل الناس.. فرحم الله امرأ اشتغل بما أوجبه الله عليه وطلبه منه ، وترك ما لا يعود عليه بنفع لا في الدنيا ولا في الآخرة ، بل يعود عليه بالضرر ، ومن ظن خلاف هذا فهو مغرور مخدوع ، قاصر الباع عن إدراك الحقائق ، ومعرفة الحق على وجهه كائنا من كان". (إرشاد السائل إلى دلائل المسائل ص 45 ـ 46)
قال الأشعري:
"الإجماع الثامن والأربعون.. وأجمعوا على الكف عن ذكر الصحابة ـ عليهم السلام ـ إلا بخير ما يذكرون به ، وعلى أنهم أحق أن ينشر محاسنهم ، ويلتمس لأفعالهم أفضل المخارج ، وأن نظن بهم أحسن الظن" . (رسالة إلى أهل الثغر 1 / 303)
وقال أبو نعيم: "فمن أسوأ حالاً ممن خالف الله ورسوله وآب بالعصيان لهما والمخالفة عليهما. ألا ترى أن الله تعالى أمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- بإن يعفو عن أصحابه ويستغفر لهم ويخفض لهم الجناح، قال تعالى: "وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ " (سورة آل عمران: 159). وقال: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } (سورة الشعراء: 215). فمن سبهم وأبغضهم وحمل ما كان من تأويلهم وحروبهم على غير الجميل الحسن، فهو العادل عن أمر الله تعالى وتأديبه ووصيته فيهم. لا يبسط لسأنه فيهم إلا من سوء طويته في النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته والإسلام والمسلمين" (الإمامة: ص 375-37).
قال الداني: " من قولهم أن يحسن القول في السادة الكرام ، أصحاب محمد عليه السلام وأن تذكر فضائلهم وتنشر محاسنهم ، ويمسك عما سوى ذلك مما شجر بينهم" .. (الرسالة الوفية ص 132)
وقال الصابوني : " ويرون الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتطهير الألسن عن ذكر يتضمن عيبا لهم ونقصا فيهم ." (عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 294 )
قال حافظ حكمي:
فصل:
فيمن هو أفضل الأمة بعد الرسول وذكر الصحابة بمحاسنهم والكف عن مساوئهم وما شجر بينهم:
وبعده الخليفة الشفيق ... نعم نقيب الأمة الصديق ...




ذاك رفيق المصطفى في الغار ... شيخ المهاجرين والأنصار

... وهو الذي بنفسه تولى ... جهاد من عن الهدى تولى

... ثانيه في الفضل بلا ارتياب ... الصادع الناطق بالصواب




... أعني به الشهم أبا حفص عمر ... من ظاهر الدين القويم ونصر .


.. الصارم المنكي على الكفار ... وموسع الفتوح في الأمصار

... ثالثهم عثمان ذو النورين ... ذو الحلم والحيا بغير مين

... بحر العلوم جامع القرآن ... منه استحت ملائك الرحمن.

بايع عنه سيد الأكوان ... بكفه في بيعة الرضوان




والرابع ابن عم خير الرسل ... أعنى الإمام الحق ذا القدر العلي


مبيد كل خارجي مارق ... وكل خب رافضي فاسق


... من كان للرسول في مكان ... هارون من موسى بلا نكران


... لا في نبوة فقد قدمت ما ... يكفي لمن من سوء ظن سلما


فالستة المكملون العشرة ... وسائر الصحب الكرام البررة


وأهل بيت المصطفى الأطهار ... وتابعوه السادة الأخيار




.. فكلهم في محكم القرآن ... أثنى عليهم خالق الأكوان




... في الفتح والحديد والقتال ... وغيرها بأكمل الخصال

... كذاك في التوراة والإنجيل ... صفاتهم معلومة التفصيل


. وذكرهم في سنة المختار ... قد سار سير الشمس في الأقطار

... ثم السكوت واجب عما جرى ... بينهم من فعل ما قد قدرا

... فكلهم مجتهد مثاب ... وخطؤهم يغفره الوهاب
ويقول الحكمي شارحا لهذه الأبيات:
أجمع أهل السنة والجماعة الذين هم أهل الحل والعقد الذين يعتد بإجماعهم على وجوب السكوت عن الخوض في الفتن التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم ، بعد قتل عثمان رضي الله عنه.
والاسترجاع على تلك المصائب التي أصيبت بها هذه الأمة ، والاستغفار للقتلى من الطرفين ، والترحم عليهم ، وحفظ فضائل الصحابة والاعتراف لهم بسوابقهم ونشر مناقبهم ، عملا بقول الله عز وجل "والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان " ( الحشر 10) الآية ، واعتقاد أن الكل منهم مجتهد إن أصاب فله أجران ، أجر على اجتهاده وأجر على إصابته ، وإن أخطأ فله أجر الاجتهاد والخطأ مغفور ، ولا نقول أنهم معصومون بل مجتهدون إما مصيبون وإما مخطئون لم يتعمدوا الخطأ في ذلك ، وما روى من الأحاديث في مساويهم الكثير منه مكذوب ، ومنه ما قد زيد فيه أو نقص مه وغير عن وجهه ، والصحيح منه هم فيه معذورون" . (معارج القبول 3/1208)
وبعد هذه النقول التوضيحية لمذهب أهل السنة ، في الخوض فيما شجر بين الصحابة وأنهم مجمعون على حرمة الخوض المؤدي إلى الطعن فيهم أو سبهم أو تنقصهم .
ننقل قول القرطبي في تفسيره قال : " سئل الحسن البصري رحمه الله تعالى عن قتال الصحابة فيما بينهم فقال : قتال شهده أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وغبنا ، وعلموا وجهلنا ، واجتمعوا فاتبعنا ، واختلفوا فوقفنا . (تفسير القرطبي 16/332)
فلم يبق هناك بعد هذا الكلام الواضح من الحسن البصري لأهل السنة إلا موقف واحد من الفتنة التي وقعت من الصحابة ، وهو ما يذكره أهل السنة والجماعة في كتبهم عنها .
قال الحافظ : "واتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك ولو عرف المحق منهم لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد وقد عفا الله تعالى عن المخطئ في الاجتهاد ، بل ثبت أنه يؤجر أجرا واحدا وأن المصيب يؤجر أجرين " (فتح الباري ج 13 ص 34)
وأخيراً أقول ما قاله الإمام النسائى لما سئل عن سيدنا معاوية رضي الله عنه ،وهو من أكثر الصحابة تعرضا للأذى،ونسج الروايات المريضة المعلولة حوله،وأسأل الله أن ييسر لي كتابة مقال عن سيرة هذا الصحابي الجليل. .: " إنما الإسلام كدار لها باب ، فباب الإسلام الصحابة ، فمن آذى الصحابة ؛ إنما أراد الإسلام ، كمن نقر الباب - أى نقبه - إنما يريد دخول الدار، قال : فمن أراد معاوية فإنما أراد الصحابة " ينظر : تهذيب الكمال للحافظ المزى 1/339 ترجمة الإمام النسائى
أقوال أهل السنة والجماعة ، فى بيان حكم من ينتقصهم :
إن أمثال هؤلاء الطاعنين لهم خبيئة سوء ، ومتهمين فى دينهم ، وإليك نماذج من أقوالهم :
قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه لما سئل عن رجل تنقص معاوية ، وعمرو بن العاص أيقال له رافضى ؟ فقال : " إنه لم يجترئ عليهما إلا وله خبيئة سوء ، ما انتقص أحدٌ أحداً من الصحابة إلا وله داخلة سوء". وفى رواية أخرى قال : " إذا رأيت رجلاً يذكر أحداً من الصحابة بسوء فاتهمه على الإسلام "
وقال الإمام الحافظ أبى زُرْعة الرازى رحمه الله تعالى : " إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاعلم أنه زنديق ، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق ، والقرآن حق ، وما جاء به حق ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن ، والسنن ، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى ، وهم زنادقة " .
وعن عبد الله بن مصعب قال : قال المهدى : ما تقول فيمن ينتقص الصحابة ؟ فقلت زنادقة ، لأنهم ما استطاعوا أن يصرحوا بنقص رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنقصوا أصحابه ، فكأنهم قالوا : كان يصحب صحابة السوء ) .
وصدق شمس الأئمة السرخسى : " الشريعة إنما بلغتنا بنقلهم فمن طعن فيهم فهو ملحد ، منابذ للإسلام ، دواؤه السيف إن لم يتب "
وفي هذا القدر كفاية لمن أراد الهداية،وقد حرصت أن أكثر من نقول العلماء،وليس من قولي تحريرا للمسألة.
فاللهم قد بلغت اللهم فاشهد..!!!،
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف