المصريون
جمال سلطان
حكاية الدجاج البرازيلي والحقيقة الغائبة
ضجة كبيرة في مصر الآن حول ظاهرة الانتشار المخيف والمفاجئ لعمليات بيع أكياس الدجاج المستورد من البرازيل وأوكرانيا ، في المجمعات الاستهلاكية وفي المحلات وعلى أرصفة الشوارع وأمام محطات المترو ، من الاسكندرية إلى أسوان ، ومن مطروح إلى الغردقة ، وبأسعار لا تصدق ، حيث تباع الدجاجة بأحد عشر جنيها أو اثني عشر جنيها ، بينما سعرها الفعلي في السوق قبل ذلك يقترب من ثمانية وعشرين جنيها ، والشكوك الواسعة طرحها مراقبون للسوق عن أن هذا الدجاج منتهي الصلاحية ، وتصريحات أخرى بأن صلاحيته تنتهي خلال فبراير الحالي ، أي أنه منتهى الصلاحية فعلا ، وتصريحات أخرى عن انتهاء الصلاحية في مارس أي الشهر المقبل ، وأسئلة بلا إجابات معملية جادة وعلمية وأمينة توضح للناس خطورة تناول هذا الدجاج من عدمه ، وشكوك أخرى حول الجهة المستوردة لهذه الشحنة الضخمة من الدجاج ، وأسئلة أخرى بلا إجابة أيضا عن سبب بيع هذا الدجاج بالسعر المتدني هذا والذي هو أقل من سعر استيراده قبل بيعه للجملة الذي قدرته الغرفة التجارية بسبعة عشر جنيها .
جمال زقزوق، رئيس مجلس إدارة جمعية حماية المستهلك بالاسكندرية قال في تصريحات صحفية إنه بالفعل يتم عرض دواجن منتهية الصلاحية داخل أفرع شركة المجمعات الاستهلاكية بالإسكندرية، وهى دواجن مجمدة تم استيرادها من البرازيل ومنتهية الصلاحية، حيث كما هو مدون عليها تنتهى صلاحية الدواجن فى فبراير 2018، وبناء عليه تقدم أحد أعضاء مجلس النواب ـ أو قال أنه ينوي التقدم ـ بطلب إحاطة إلى رئيس الوزراء ووزير التموين عن المسئول عن تسرب هذا الدجاج ، ولكن من الواضح أن طلب الإحاطة لم يحدث ولم يصل للبرلمان .
تصريحات أغلب المسئولين تتسم بالحذر والأدب غير المعهود في الحديث عن مثل هذه الحالات ، وفي الأحوال الطبيعية فإنك تجد البلاغات تنهال على مكتب النائب العام تطالب بالتحقيق فيما حدث ، وتجد جهات الضبط المتعددة تلاحق الباعة خاصة على الأرصفة وفي الشوارع لوقف الكارثة والتحقق من المصدر الذي وزع عليهم هذه الكميات فجأة ، وفي الغالب الأعم تجد المستورد أمام استدعاء عاجل من جهات التحقيق أو الجهات الرقابية ووسائل الإعلام والفضائيات المختلفة تفتح الحوارات والخناقات على الشاشات بحثا عن "الحقيقة" ، ولكن كل ذلك لم يحدث حتى الآن ، رغم تعدد التحذيرات من خطورة ما يحدث .
لا أحد يعرف من المستورد ، وما ينتشر من أخبار يتحدث عن أن جهة سيادية هي التي استوردت تلك الكميات وأنها أخطأت تقدير احتياج السوق وقدرة الاستيعاب فانتهى الأمر إلى انتهاء الصلاحية أو اقترابها بشكل كبير فتم الخلاص منها بسرعة ، وهناك بعض المواقع الإخبارية التي نشرت صورا لسيارات تتبع وزارة الداخلية وهي توزع كميات ضخمة من هذا الدجاج أمام محطات المترو ، فهل هو لغز أن نعرف المستورد ، وهل غرفة الدواجن عاجزة عن أن تصارح الرأي العام بما حدث وتكشف عن اسم المستورد .
بعض ما نشر من كلام ينشر الرعب الحقيقي مع إخلاء مسئولية مسبقة عن أي كارثة ستحدث ، فالحديث الآن عن أن مسئولية أي فساد يلحق بالدجاج الموزع حاليا تكون في سوء تخزينه وأنه مجمد ولا بد من نقله مجمدا ، وبالتالي فما يحدث من عمليات بيع في الشوارع والأرصفة وأمام محطات المترو خطير جدا ، لأن الدجاج المجمد يحدث له تفكيك بفعل حرارة الجو ، ثم يتم نقله إلى الثلاجات من جديد سواء عند المشتري أو عند التاجر الذي يعيد ما لم يتم بيعه في نفس اليوم ، وهو ما يجعل الدجاج فاسدا وغير صالح للاستهلاك ، وهذا الكلام نوع من إخلاء المسئولية عما يمكن أن يحدث لملايين المصريين ممن اشتروا هذا الدجاج ، كما أن أحدا لا يسأل عمن يعرف ذلك جيدا ومع ذلك قام بتوزيع هذه الكميات الضخمة على الباعة في الشوارع والميادين ، وإذا كان الأمر بهذا القدر من الخطورة فمن الذي يسمح لهم بالبيع بتلك الطريقة وهم في أمان وسلام وثقة من أن أحدا لن يلاحقهم ، ولماذا غلت يد الأجهزة المعنية عن ملاحقة هؤلاء الباعة الذين يعرضون ملايين المواطنين لخطر محدق .
ما حدث ويحدث في قصة الدجاج البرازيلي هذه يعيد إحساسك بالألم وأنت ترى الدولة تتعامل مع البشر فيها بهذه الخفة ، إن هذا الأمر لو حدث مع غذاء حيوانات في بلدان متحضرة أو تعرف قيمة الإنسان لفتح التحقيق فورا ولوحق كل من تورط في تلك الكارثة ، ولكنهم هنا يعاملون المواطن بمستوى أقل من الحيوان ، وليس البشر .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف