الوطن
د. محمود خليل
صيانة ع الورق..!
فى جامعة بنها التى شهد مستشفاها واقعة سقوط «الأسانسير» بعدد من المواطنين، مما أدى إلى وفاة 7 وإصابة 4، تم اتخاذ قرار داخل الكثير من الكليات، بوقف جميع المصاعد، لحين التأكد من سلامتها. قرارات شبيهة اتّخذتها عدة كليات بجامعات مختلفة. القرار بالطبع اتُّخذ كرد فعل على المأساة التى وقعت، لكنه فى المجمل يعكس نمطاً عجيباً من الأداء الذى يسود داخل بعض مؤسسات الدولة، يستدعى من الذاكرة بشكل عاجل تلك المقولة اللطيفة التى ردّدها الفنان الراحل «عادل أدهم» فى أحد الأفلام، ويقول فيها: «أنا لو صباعى وجعنى ما أعالجوش.. أقطعه على طول»!.

مسألة مراجعة حالة الأسانسيرات تستوجب قراراً واحداً، هو متابعة عمليات الصيانة الدورية لها، والتأكد من سلامتها بصورة مستمرة، ولا تستدعى وقف الأسانسيرات، واضطرار الناس إلى الصعود على السلالم، وفيهم الضعيف والمريض. تقرير اللجنة الفنية التى شكلتها النيابة للوقوف على أسباب سقوط مصعد مستشفى بنها كشف مجموعة من الحقائق المدهشة، من بينها أن عمليات الصيانة كانت تتم على الورق فقط، خصوصاً عقب اكتشاف عدم وجود «باراشوت»، وهو الجهاز الذى يمنع انهيار المصعد حال وجود عطل، كما جاء فى التقرير أن الأجزاء التى تم تركيبها فى المصعد غير مطابقة للمواصفات، وأن الصيانة التى أجراها مهندسو الشركة كانت صورية، وكان مهندس الصيانة يوقع على الكارت الخاص بالمتابعة دون إجراء التجارب اللازمة. انظر إلى الحال التى وصلنا إليها!.

لعلك تتّفق معى فى أن الأسلوب الذى تُدار به مسألة الصيانة داخل مستشفى بنها ينسحب على الكثير من المؤسسات الأخرى. فثقافة العمل لدينا لا تعرف التدقيق، والإهمال هو سيد الموقف فى مشاهد الأداء. ولا أريد أن أتّهم أحداً وأقول الفساد، لكن الأمر يقتضى قبل مراجعة أوضاع الأسانسيرات، مراجعة الطريقة التى تم إرساء عملية الصيانة بها على هذه الشركة التى تسبّبت فى المأساة، والمعايير التى تم الاعتماد عليها فى ذلك. لقد اقترح الدكتور خالد عبدالغفار، وزير التعليم العالى -فى مداخلة تليفزيونية- أن تكون هناك متابعة شهرية لأعمال الصيانة بجميع الجامعات، وهى خطوة إيجابية، وقد يكون من المفيد أن يتحول هذا الاقتراح إلى إلزام، حفاظاً على حياة المواطنين، فالإلزام مدخل مهم من مداخل تغيير ثقافة الأداء داخل المؤسسات.

فى كل الأحوال يبقى أن مراجعة الصيانة، وإصلاح الأعطاب أمر لا يستحق عرقلة وتعطيل حياة الناس، لأن المسألة لا تتطلب وقتاً يفرض حالة طوارئ تؤدى إلى وقف الحال. هذه الثقافة فى الأداء لا بد من التخلص منها، لأنها ثقافة تعتمد على التعامل مع النتيجة التى ترتبت على المشكلة (وفاة 7 وإصابة 4)، وليس على الأسباب التى أدت إليها (خراب عملية الصيانة)، وليس من المنطق أن يتّخذ قرار بوقف عملية الصعود والهبوط داخل المبانى المختلفة لعدة أيام، بسبب مشكلة يمكن إصلاحها فى بضع ساعات. هذا النّمط من التفكير والأداء يستحق المراجعة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف