مؤمن الهباء
شهادة .. الأطباء ليسوا كبش الفداء
هناك إحساس عام بالظلم يجتاح أطباء مصر حالياً بسبب الحملة التي يتعرضون لها منذ زيارة المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء لمعهد القلب وتصريحاته النارية حول إهمال الأطباء وانشغالهم بعياداتهم الخاصة وغيابهم عن أداء واجباتهم تجاه المرضي.. يقول الأطباء ان هذه الحملة تحاول أن تجعل منهم كبش فداء لتبرير العجز والإهمال وتحملهم مسئولية انهيار الخدمات الصحية بالكامل.
وعلي مدي الأيام القليلة الماضية دشن مجموعة من الأطباء صفحة علي الفيس بوك بعنوان "عشان لوجه ميتفاجئش" موجهة إلي رئيس الوزراء.. نشروا عليها مئات الصور لأوجه الفساد والتقصير والإهمال في المستشفيات والوحدات الصحية الحكومية ومستشفيات التأمين الصحي.. وكلها تؤكد تردي الأوضاع في المؤسسات الصحية.. وصعوبة البيئة التي يعمل فيها الأطباء.
في هذه الصور أسرة متهالكة وأثاث محطم في العنابر والأقسام وسكن الأطباء.. ومقاعد مكسورة مخزنة في الطرقات.. ودورات مياه قذرة وطافحة لا تصلح للاستخدام الآدمي وأجهزة معطلة ومكدسة في المخازن.. ووصلات كهربائية خارج الحوائط وقطط وحيوانات أليفة في المطابخ وغرف المرضي تشارك الناس أماكن علاجهم وأحيانا طعامهم ونفايات طبية وقمامة متراكمة في الطرقات بجوار الزوار والمرضي الذين ينامون ويأكلون في هذه الطرقات.. ناهيك عن الطوابير الممتدة أمام عيادات الاستقبال.
بالطبع.. هذه المخالفات ليست مبررا لأن يترك الطبيب مسئولياته ولا يأتي إلي المستشفي ولا يعالج المرضي علي قدر ما يستطيع.. لكننا مع ذلك يجب أن نقر ونعترف بأن هذه ليست البيئة الصحيحة التي تشجع الطبيب علي أن يعمل بكل طاقته.. لأنها بيئة فاسدة طاردة محبطة.
وقد دخلت نقابة الأطباء علي الخط وعقدت مؤتمرا صحفيا يوم الخميس الماضي للرد علي الاتهامات التي وجهها مسئولون بوزارة الصحة للأطباء عبر وسائل الاعلام بالتسبب في تراجع أحوال الخدمة الصحية وسوء حالة المستشفيات.. وطالبت النقابة في هذا المؤتمر باستقالة الدكتور عادل العدوي وزير الصحة واتهمته بأنه علي علم بالأوضاع الشنيعة للصحة في مصر.. ولكن رده لا يتعدي تحويل المستشفيات العامة إلي خاصة للقادرين فقط.. كأن هذا وحده ما سيحسن الخدمة فيها.
وقال د. رشوان شعبان رئيس لجنة آداب المهنة بالنقابة إن وزارة الصحة والحكومة تتعاملان مع الأطباء باعتبارهم كبش فداء يذبحونه للجمهور.. وكأن الأطباء هم المسئولون عن تراجع مستوي الخدمات الصحية وتواضع ميزانية الصحة ونقص الأجهزة والمستلزمات الطبية.. مشيرا إلي المطالبات العديدة بتحسين أجور كافة العاملين في قطاع الخدمات الصحية بمن فيهم طاقم التمريض والعمال ومعهم الأطباء.. ومطالبة الحكومة بالالتزام بالنسبة المقررة دستورياً للصحة في الموازنة العامة للدولة والتي يجب ألا تقل عن 3% من الناتج القومي.. مع العلم بأن الصحة والتعليم وهما جناحا التنمية لا يزالون في ذيل قائمة أولويات المسئولين.
لقد أظهرت الضجة المثارة حالياً ان الأطباء في مصر فئة بائسة مهضوم حقها.. رغم وجود قلة بينهم مستغلة تتاجر بآلام الفقراء بحثاً عن الربح السريع كأي مهنة أخري فيها الصالح والطالح.. ويكفي أن نعرف ان الحكومة قررت ان بدل العدوي للأطباء يتراوح ما بين 19 و30 جنيها فقط.. بينما منحت بدل عدوي لمهنة أخري لا علاقة لها بالطب ومخاطره ثلاثة آلاف جنيه شهرياً فوق المرتب.. لذلك يهرب كثير منهم من العمل في المستشفيات الحكومية إلي العمل في القطاع الخاص.. ومن لا يزالون يعملون في القطاع الصحي الحكومي سيظلون جنودا مجهولين يستحقون التحية من كل المصريين الذين يجب أن يدركوا ان هؤلاء يعملون في ظروف غير آدمية.. ويصرون علي تقديم الخدمة الطبية في ظل غياب الموارد المالية والإمكانيات.
المشكلة تبدأ وتنتهي عند الحكومة لتوفير التمويل اللازم وتحسين الأجور وتحقيق الانضباط الإداري ومجابهة الفساد والمتابعة الميدانية.. وقبل ذلك لابد من توافر الإرادة السياسية بأن علاج المواطن واجب علي الدولة وحق لكل مصري بموجب المواطنة.. وليس تفضلاً من أحد.. والحكومة يجب أن تساءل عما قدمت في هذا الشأن بدلاً من المراوغة والتبرير والبحث عن كشف فداء لكي تبدو انها هي التي تسأل.