الأخبار
محمد السيد عيد
مقاهي الحكيم
تحتفل مصر يالذكري المائة والعشرين للكاتب العظيم توفيق الحكيم، وقد خصصت هيئة الكتاب جلسة في معرض الكتاب للحديث عن الحكيم، أسعدني أني كنت المتحدث فيها، لكن الكلام عن الحكيم لاينتهي، وسأحدثكم اليوم عن موضوع طريف، هو ارتباط الحكيم بالمقاهي.
حين عاد توفيق الحكيم من فرنسا عينوه في سراي الحقانية بالمنشية بالإسكندرية، ولم يسندوا له عملاً يستحق الاهتمام، فكان كل صباح يتوجه لعمله فيوقع في دفتر الحضور ثم ينصرف متوجهاً إلي مقهي قريب في شارع سعد زغلول، هو مقهي تريانون، أو كما كنا نسميه تريانون الصغير، تمييزاً له عن تريانون الكبير الموجود في محطة الرمل. كان تريانون مقهي علي الطراز اليوناني، له حديق ة جميلة. تسمح لروادها بالاستمتاع بالشمس والهواء. وفي هذا المقهي كتب الحكيم عملين من أشهر أعماله، هما عودة الروح وأهل الكهف. وكان هذا المقهي عامراً حتي سنوات قريبة، لكن العمارات زحفت حوله وحاصرته، وقد ذهبت منذ عامين لزيارة المقهي فوجدته قد أغلق أبوابه.
ارتبط توفيق الحكيم بمقهي آخر يوناني الطابع في الإسكندرية، هو مقهي بترو، عرف صاحب المقهي بخل الحكيم فخصص له فنجان قهوة مجانياً طوال عمره. وكان الحكيم يقيم صالوناً أدبياً كل يوم جمعة في هذا المقهي خلال الصيف، يحضره أصدقاؤه القاهريون الموجودون في الإسكندرية، ومريدوه من الكتاب السكندريين، ومنهم صبري أبو علم، وسعيد سالم، وعبد المنعم الأنصاري، وغيرهم، وللأسف فقد تم إغلاق المقهي مثل سابقه ليقام مكانه أحد الأبراج التي تدر علي بانيها الملايين.
المقهي الثالث الذي ارتبط به الحكيم كان في ميدان الجيزة بجوار عمر افندي، واسمه سان سوسي، وكان أيضاً ذا حديقة جميلة، لكنه هدم الآن وصار مكانه برج سكني، وكأن الأبراج قررت ألا تبقي علي المقاهي ذات الحدائق في مصر. وقد كنت أري الحكيم شتاءً يجلس فيه صباحاً ليستمتع بالشمس، ويتحلق حوله بعض الأدباء، وبعد انتهاء الجلسة يخرج مرتدياً بالطو ثقيل ويسير في شارع مراد علي قدميه في هدوء.
لقد كانت المقاهي اليونانية من أهم معالم مصر، لكنها انقرضت، ولم تبق مقاهٍ ذات حدائق الآن سوي جروبي في القاهرة، وربما جاء يوم قريب فأزالوه ليبنوا مكانه برجاً كما فعلوا مع بقية المقاهي. إن هذه المقاهي كانت جزءً من عصر مضي، وحاولت أن تستمر لكنها لم تستطع الصمود أمام عصر لايعترف بالحدائق أو الخضرة، ولايعرف سوي غابات الأسمنت.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف