إدراج الولايات المتحدة حركتى «حسم» و «لواء الثورة» على لائحتها الإرهابية، يمثل خطوة مهمة ويعبر عن تراجع ظاهر فى التقدير لدور بعض الجماعات التى تمارس الإرهاب، لكن أن تغض النظر عن انتماء الحركتين لجماعة الإخوان، فهذا تحايل واضح تسعى واشنطن من خلاله لإبعاد أى شبه عن الربط بينهما والجماعة.
فهناك قائمة طويلة من العمليات الإرهابية التى وقعت فى مصر تثبت العلاقة الوثيقة بينهما، وتتحمل الإخوان ومن وقفوا خلفها وشجعوها سياسيا مسئوليتها المباشرة.
ربما تكون الولايات المتحدة اضطرت تحت وقع الأدلة التى عرضتها مصر للخطوة السابقة، ولم تستطع مواصلة انكار قيام هذه الحركات بعمليات إرهابية، وقد تكون أرادت الالتفاف والتضحية باسمى «حسم والثورة» لحماية الجماعة الأم لأن دورها ما زال مستمرا، فهى جزء من القناعات الأمريكية التى لا تتغير مهما تغيرت الإدارة التى تقطن البيت الأبيض.
كان هناك أمل أن تتبدل هذه النظرة مع وصول دونالد ترامب للسلطة، لكنه أثبت بعد فترة قصيرة أنه يسير على درب أسلافه، وذهبت وعوده البراقة لمكافحة التطرف ومحاربة الإرهاب أدراج الرياح، واستجاب لفكرة الاحتفاظ بورقة الإخوان، بل يمارس ضغوطا على دول كثيرة لعودتها إلى الحياة السياسية.
الطريقة التى تعاملت بها الولايات المتحدة مع الحركتين، اتبعتها بريطانيا منذ نحو شهر، وأدرجتهما أيضا على لائحتها لمكافحة الإرهاب، فى محاولة ترمى لحماية الحركة الأم التى تحظى برعاية كبيرة، ورغم التقارير التى تصدرها لندن، لكنها تحرص على أن تكون ألفاظها مطاطة وغير حاسمة وتحمل تفسيرات متناقضة.
الأدلة والشواهد التى تثبت العلاقة الوطيدة مع الإخوان متعددة، لكن عندما تريد دولة التحايل تتصرف وكأنها لا تراها أو غير معنية بها، وقد تضحى بما هو كبير للحفاظ على ما هو أكبر بكثير، هكذا يمكن وصف الطريقة التى تعاملت بها لندن ثم واشنطن مع هاتين الحركتين.
ما حدث من قبل هاتين العاصمتين يوحى بتغير فى التكتيك السياسى، فبعد نحو ثلاثة أعوام من ظهور العمليات المسلحة للحركتين على السطح وسط حالة نادرة من الإنكار، تم ادراجهما على لوائح الإرهاب، ما يشير إلى أن هناك جهودا كبيرة بذلتها مصر لتقديم صورة حقيقية لمن يرتكبون الإرهاب فعليا.
منهج الأدلة والبراهين والاثباتات هو المدخل الصحيح لإقناع الغرب برؤيتنا، وإقناع شعوبه بخطأ ما يصلهم من معلومات من جهات مغرضة، وقد عانينا كثيرا على مدى السنوات الماضية لتوصيل صوتنا، وواجهت البلاد مواقف حادة خاطئة كانت لها انعكاسات سلبية على العلاقات مع العالم الخارجى.
التبدل الحاصل فى المشهد العام يكشف عن جانبين، الأول: أن تعديلا كبيرا حدث فى طريقة التعامل المصرى مع الغرب، يظهر فى التخلى عن سياسة الانكفاء ومحاولة توصيل رؤية صحيحة تدحض سيولا جارفة من المعلومات المغلوطة يحاول البعض ترويجها باعتبارها حقائق تجرى فى مصر.
أما الجانب الثاني، فيتعلق بوجود استعداد لتغيير المواقف الجامدة والثابتة طالما هناك ما يثبت عكسها، شريطة تقديمها بطريقة علمية، والاستمرار فى هذا الاتجاه يمكن أن نجنى من ورائه مكاسب كبيرة، المهم يتم اختيار الوسيلة السليمة لمخاطبة الآخرين بها، ونصمت قليلا عن تكرار حديث المؤامرة والتواطؤ والضغوط وما إلى ذلك، فهى موجودة ولن تنتهي، ولن تخص نظاما مصريا وطنيا بعينه.
اللغة التى تم استخدامها من قبل، وهى توجيه الاتهامات والانتقادات والشتائم لا يعرفها الغرب، وأسلوب الصراخ والضجيج وصب اللعنات التى نقرأها فى الصحف ونسمعها ونشاهدها فى بعض برامج التليفزيون كبدتنا خسائر باهظة، وجعلت تعديل صورتنا بحاجة إلى جهود مضنية.
الطريق لا يزال طويلا، كى نقنع بريطانيا والولايات المتحدة وغيرهما لشد الخيط على استقامته، والوصول إلى اقتناع بأن «حسم والثورة» وغيرهما من الحركات الإرهابية خرجوا من رحم جماعة الإخوان وهم أجنحة عسكرية رئيسية لها، ويتم استخدامهم لتحقيق أغراض سياسية مختلفة.
ما جرى من تحول نسبى أخيرا على علاقة وثيقة بالتهديدات التى تتعرض لها المجتمعات الغربية، فقد استغلت جماعات متطرفة كثيرة الليونة التى تتعامل بها بريطانيا والولايات المتحدة مع التيار الإسلامى وتجاهل الأفكار المتشددة والعمليات الإرهابية التى خرجت من تحت عباءتهم، لتتوغل فى الغرب وتكتسب مكانة سياسية جيدة.
عندما امتدت بصمات الإرهاب إلى صدور دول غربية عدة بدأ الالتفات إلى المخاطر التى ينطوى عليها احتضان هذه النوعية من التيارات، وحدث تعديل بسيط فى النظرة والتعامل وطرق التوظيف، لكن لا تزال هناك دول غربية ترى أن جماعة الإخوان تمثل رهانا سياسيا جيدا بالنسبة لها.
الرهان يأتى من رحم حسابات وتقديرات الجماعة الأيديولوجية وقدرتها على تحقيق أهداف أصحابها بأقل تكلفة ممكنة، لذلك هى مطلوبة كمنغص سياسى وأداة من أدوات التدخل فى شئون بعض الدول العربية، مع أن خطاب المظلومية الذى تتبناه الجماعة والإذعان له أضحى وسيلة بالية.
علاقة المصالح التى تربط بين الجانبين، تشى بأن هذا التحالف لن ينفض بسهولة، فالتعامل مع إرهاب الجماعة وذيولها المختلفة يشبه كمن يضع الإرهاب أسفل ورق سلوفان، الكل يراه ويعرف تفاصيله، لكنهم يتجاهلون الحديث عن أسبابه ودوافعه والجهة التى تحتضنه والجماعة التى وفرت له التغذية المادية والمرجعية الفكرية، والدولة التى قدمت له بيئة صالحة للحياة والتمدد والانتشار فى أماكن كثيرة.
الحاصل أن فك الارتباط عبر تقديم مغريات اقتصادية وسياسيا وأمنية لم يعد مجديا، فكم دولة عربية حاولت استمالة الولايات المتحدة وبريطانيا من خلال صفقات وتسهيلات وفشلت؟ وكم جهة فتحت نقاشا حول إرهاب الإخوان ولم تؤد إلى نتيجة إيجابية؟ وكم مرة جرى الحديث عن العلاقة التى تربط بين غالبية الحركات الإسلامية والإخوان؟ وكم مرة قيل فيها إن الجماعة الأم هى مصدر التطرف فى العالم؟
الأسئلة السابقة وغيرها أخفقت إجاباتها فى إقناع دول غربية عديدة لتغيير نظرتها للإخوان، وبقى التعامل معها على أنها فصيل سياسى فقط، وتجاهل المكونات العسكرية التى يحملها فكر وتصرفات الجماعة، لكن يبدو أن هذه الدول بحاجة لمزيد من الإثباتات أو أن يطولها الإرهاب على نطاق واسع وتتذوق مرارة المساعدات التى قدمتها على مدى العقود الماضية.