الوطن
د. محمود خليل
بلاش تزودوا المرتبات..!
رمضان بييجى كل سنة!. هل هذا خبر؟!. مؤكد أن القيمة الإعلامية لهذه العبارة تساوى صفراً، لأن الناس كلها تعلم أن «رمضان بييجى كل سنة». فى هذا الإطار تستطيع أن تقرأ ما أعلنه وزير المالية يوم الثلاثاء الماضى من أن هناك زيادة جديدة فى المرتبات والمعاشات تتمثل فى العلاوة الدورية شهر يوليو المقبل، مؤكداً أن نسبة الزيادة سوف تحدد خلال الفترة المقبلة. هذا الخبر يفسر الماء بعد الجهد بالماء، لا يضيف أى جديد إلى القارئ، وربما كان السبب فيه الأجواء المتعلقة بانتخابات الرئاسة التى تغطى عليها سحابات الغلاء المحلقة فى الفضاء العريض.

واقع الحال أن الطبقة الوسطى تدفع ثمناً غالياً لسياسات الإصلاح الاقتصادى، وأصبحت تنوء بأحمال المعيشة ومتطلباتها الثقيلة، بعد أن تضاعفت الأسعار خلال عام واحد بشكل لا يتحمله إلا اللصوص، أما الأشخاص الطبيعيون من المنتمين إلى هذه الطبقة فيعانون الأمرين. الطبيعيون من أبناء هذه الطبقة يلطمون من أسعار الغذاء والكساء والدواء والتعليم والانتقالات، بعد أن تضاعفت الأسعار عدة مرات. هؤلاء الطبيعيون ليسوا لصوصاً حتى تمكنهم دخولهم الكبيرة المريحة من التعايش مع حالة الغلاء التى ضربت كل شىء. وإلى جوار هذه الطبقة يظهر الفقراء الذين أصبحت معاناتهم مزدوجة، فهم يعانون أكثر من غيرهم من ارتفاع الأسعار وعجز دخولهم عن الوفاء بمتطلبات المعيشة، وفى الوقت نفسه يعانون من ضمور قدرة الطيبين من أفراد الطبقة الوسطى على إعانتهم على تكاليف الحياة. وكلنا يعلم أن فكرة التكافل التى كانت تشكل واحدة من دروع الحياة فى هذا المجتمع تتآكل وتتراجع. فمن كان يقوم بذلك من أفراد الطبقة الوسطى أصبح مؤرقاً بسد احتياجاته واحتياجات أسرته، ولم يعد لديه فائض يمكن أن يكفل به من يستحق الكفالة داخل عائلته أو بيئة عمله أو الحى الذى يقطن فيه. لماذا يتحمل هؤلاء -دون غيرهم- العبء الأكبر للإصلاح.

هل التحمل إلى ما لا نهاية؟

الناس تتحمل مرة أو مرتين أو ثلاثاً، لكن المزيد من التحمل يقتضى وجود تحسن ولو طفيفاً فى أحوالهم المعيشية يمنحهم أملاً فى غد أفضل. دعنى أضرب لك مثلاً. قبل ما يزيد على عام من الآن اتخذت الحكومة قراراً بتعويم الجنيه، بعدها خرج المسئولون يحدثوننا عن أن سعر الدولار سيقل بعد التعويم، وسينحدر إلى الجنيهات العشر أو الاثنى عشر أو الأربعة عشر. مر ما يزيد على عام ورغم ذلك ما زال سعر الدولار ثابتاً، ينخفض قروشاً فى شهور، ليستردها فى الشهور التالية، ومع ثبات الدولار يظل الحال على ما هو عليه فى الأسواق، بل يزداد سوءاً بفعل قرارات الغلاء الجديدة. ثبات الأوضاع لا يمنح أملاً يعين المواطن على المزيد من التحمل. فليترك وزير المالية موضوع المرتبات جانباً، فكما يعلم أن الحديث فى هذا الأمر أصبح خطاً أحمر، وليلتفت إلى ما هو أجدى، نطالب «المالية» والمسئولين عن المال فى مصر بكبح جماح الدولار، وإنجاز ما سبق أن قدموه لنا من وعود على هذا المستوى. بلاش تزودوا المرتبات، لأن الزيادة لم تعد تعنى شيئاً فى ظل الانهيار الذى يعانى منه الجنيه. اضبطوا فقط إيقاع الدولار كما وعدتم!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف