الأهرام
د . أحمد عاطف
فن صناعة الدهشة
يحتاج الإنسان كل فترة أن يذكر نفسه بأن الوجود استمر بسبب اسباب عدة من أهمها الابتكار والقدرة على صناعة الدهشة. إن كل الاختراعات التى يعتمد عليها الإنسان نبعت من نفوس نضرة وعقول لا ترتكن للبسيط والعادى والتقليدى فى الحياة، بل تبحث فيما وراء العقل. نحن محتاجون لهؤلاء العباقرة فى حياتنا. لدينا فى العالم الكثير من الفنانين والعلماء، لكن القليل منهم القادر على صناعة الدهشة. ربما لابد أن نبحث عن المدهشين هؤلاء بكل ما أوتينا من قوة وإمكانات. تولد العبقرية مبكرا وتموت كذلك سريعا اذا لم يرعها أحد. لا يستوعب المجتمع الكثير من قدرات أطفاله الاستثنائيين. نحتاج كشافين ليجوبوا المحافظات ويبحثوا عن العباقرة ويتم الحفاظ على ذكائهم وتنميته بكل السبل، والحفاظ عليهم من التوهان أو فقد البوصلة أو تلاشى الموهبة الفذة. وقد شاهدت منذ أيام واحدا من أهم الافلام العالمية التى تعنى بفن صناعة الدهشة، وهو فيلم «أعظم رجل استعراض» الذى قام ببطولته النجم الأمريكى الشهير هيو جاكمان وأخرجه مايكل جريسى فى أول عمل روائى طويل له. وشارك فى البطولة زاك افرون وميشيل وليامز وزندايا. الفيلم يحكى قصة طفل يحلم منذ طفولته فى العمل بعالم الاستعراض رغم أنه ابن لخياط يعمل فى منازل الأغنياء نحو منتصف القرن التاسع عشر بمدينة نيويورك الأمريكية. وككل الأطفال فى سنه، وقع الطفل (بارنوم) فى غرام طفلة جميلة ورقيقة ابنة واحد من علية القوم وكلفه ذلك الصفع على وجهه من والدها وحرمانه من رؤيتها طوال سنوات الطفولة. لكنه أصر على حبه حتى استطاع أن يتزوجها رغم معارضة الأهل. لكن بشره والدها انها ستعود قريبا لمنزل الأسرة ولن تتحمله. وعد بارنوم زوجته بأنه سيجعلها تحيا حياة السعداء الرغدة. ثم أنجبت له طفلتين سعيدتين، وارتضت بحياتهما البسيطة الخالية من تحقيق الأحلام، لذا اندفع بكل قوة لتحقيق ما يصبو إليه منذ طفولته وهو عالم الاستعراض. المدهش أن الفيلم هو فيلم غنائي، أى أن الحوار الطبيعى بين شخصيات الفيلم يتحول فى بعض الأحيان الى أغنية بل واستعراض كامل. وواضح أن فوكس العالمية تحمست لإنتاج الفيلم، بعد نجاح فيلم لالا لاند الذى أعاد النجاح الأسطورى للأفلام الغنائية. صحيح أن هناك افلاما غنائية حققت نجاحا لا بأس به فى اخر عشرين عاما مثل فيلم تسعة ومجموعة أفلام هاى سكول ميوزيكال لكن لاند نجاحه كان اسطوريا.

أما فيلم «أعظم رجل استعراض» والذى تكلف 84 مليون دولار وبلغت ايراداته زهاء الـ 300 مليون دولار. هذا فيلم مدهش بحق عن رجل مدهش قادر على صناعة الفرح والابتسامة من طرق غير تقليدية. بحيلة ما، استطاع بارنوم اقناع أحد البنوك فى لندن باقراضه لشراء متحف لتماثيل الشمع والمجسمات الحيوانية، لكن سرعان ما اكتشف ألا أحد يريد زيارة المكان. فاستجمع قواه وعاد لحلمه الأول لعله يحققه وهو دخول عالم الاستعراض الذى لم يدرسه أو يعرف عنه الكثير بشكل تفصيلي. عندما شاهد قزما محبطا مع والدته، جاءته الفكرة أن يحول متحفه إلى مسرح للمنوعات الغريبة ويكون أبطاله أناس فى نظر المجتمع معوقين أو غريبى الشكل والأطوار. اندفع المئات ليلتحقوا بهذا السيرك واختار الكثيرين منهم، وعلى رأسهم سيدة ذات ذقن وشارب ضخمين، ورجل بقرون، وتوأم ملتصق، وشاب مشعر، وأخر تغطى الشامات جسده كالوشم، ورجل وزنه 500 كيلوجرام وأطول رجل فى نيويورك. دربهم جميعا على ألعاب السيرك، وبالفعل نجحت فكرته وامتلأ مسرحه عن آخره بالجمهور لكن من الطبقات المتوسطة والفقيرة.

انطلق بارنوم لمرحلة أخرى بالتعرف على أشهر مغنية أوبرا بأوروبا ودعاها لجولة فنية بأمريكا، ووافقت. وبدأ يحقق حلما اخر فأخذ يرتقى طبقيا ليصبح ما يقدمه يرتاده علية القوم فى نيويورك. ووقعت المطربة فى حبه، وعندما لم يستجب لها أوعزت لكل صحف نيويورك أن تكتب عن حبهما غير الحقيقى لتخرب علاقته مع زوجته. تزامن ذلك مع حرق سيرك بارنوم، فعرض على صديقه ابن الأغنياء مشاركته ليصنعا سيركا جديدا فى خيمة وليس فى مبني، وليستعيد حب وثقة زوجته. ثم يترك الإدارة لشريكه ليتفرغ لتربية طفلتيه. إنه بارنوم صانع الأحلام. والفيلم - المستمد من قصة حقيقية لسيرك أمريكى يحمل اسم بارنوم وشريكه- يجعل من يراه يمتلئ بالرغبة فى تحقيق حلمه الشخصي. 11 أغنية حفل بها الفيلم اهمها أغنية «أنا»، والتى حازت على جائزة جولدن جلوب ورشحت للأوسكار القادم، وتتحدث كلماتها عن ضرورة أن يقبل الانسان نفسه أيا كان شكله ولونه، وضرورة أن يحافظ على حلمه.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف