في الاسبوع الماضي قمت بجولة في منطقة التجمع الخامس بالقاهرة الجديدة بعد زيارة صديق يقيم هناك .. والحق انني شعرت بالسعادة والحزن في نفس الوقت بعد هذه الجولة!!
شعرت بالسعادة لانني شاهدت انجازا كبيرا اقيم علي هذه المنطقة التي كانت منذ اقل من 20 عاما صحراء جرداء لاحياة فيها ولا ماء .. وجدت عمارات شاهقة وجميلة وفيلات وقصوراً فخمة وشوارع انيقة ومولات تجارية لاتقل عن مثيلاتها في باريس ولندن ودبي .. وتمنيت ان تكون مصر كلها علي هذا المستوي الرائع والمبهر الذي شاهدته في التجمع الخامس.
ولكنني شعرت بالحزن ايضا عندما وجدت ان معظم هذه العمارات الرائعة والفيلات والقصور البديعة لايوجد بها سكان بعد ان تركها اصحابها منذ سنوات طويلة بهدف "تسقيعها" وتحقيق ثروات طائلة من بيعها فيما بعد .. وكانوا قد حصلوا عليها بمبالغ محدودة عندما بدأ العمل في اقامة القاهرة الجديدة بل وحصلوا علي تيسيرات وتسهيلات كبيرة في السداد واصبحت اليوم بملايين الجنيهات.
ودار في ذهني سؤال : لماذا تترك الحكومة هذه الثروة من الوحدات السكنية الهائلة بدون ان تستفيد منها في الوقت الذي ترتفع اسعار الوحدات السكنية كل يوم .. ولا يستطيع الشباب الحصول علي شقة يمكنه بها إقامة أسرة صغيرة؟!!
لماذا لاتفرض الحكومة ضرائب علي هذه الشقق والفيلات والقصور واصحابها من الاغنياء واصحاب الملايين .. بينما تكتفي بفرض ضرائب علي الموظفين الغلابة الذين يحصلون علي مرتبات زهيدة؟!
ما يحدث في التجمع الخامس .. يحدث في كل المدن الجديدة في العبور والشروق واكتوبر وبدر وغيرها بالقاهرة وجميع المحافظات .. مواطنون كثيرون حصلوا علي الوحدات السكنية واغلقوها باضبة والمفتاح .. بينما الحكومة مستمرة في اقامة المزيد من الوحدات السكنية في المدن الجديدة ليحصل عليها المواطنون القادرون ليقوموا بعد ذلك باغلاقها و"تسقيعها"!!
و"التسقيع" لمن لايعرف .. يعني ترك الشقة او الفيلا عدة سنوات حتي ترتفع أسعارها اضعافا مضاعفة وليحقق صاحبها من بيعها ثروة كبيرة!!
الغريب إن الحكومة تعرف ذلك جيدا .. وقد أعلنت جهاز الاحصاء وهو جهاز حكومي عن وجود أكثر من 10 ملايين وحدة سكنية مغلقة بالبلاد بالاضافة إلي مئات الالاف من الفيلات والقصور .. ومع ذلك لم تفعل الحكومة شيئا بل قامت بوضع هذه البيانات والاحصاءات في ادراج المكاتب .. وبالتالي ضاعت عشرات الملايين من الجنيهات التي تم انفاقها في اعداد هذه الاحصاءات!!
كل هذه الشقق والفيلات المغلقة ونعاني من ازمة اسكان .. وندعو المواطنين كل يوم الي التبرع لاقامة مدن ومدراس ومستشفيات جديدة نواجه بها الزيادة الرهيبة في عدد السكان!!
لماذا لايتم فرض ضريبة تبلغ 100 جنيه فقط شهريا علي كل شقة مغلقة و300 جنيه علي كل صاحب فيلا او قصر ؟! إننا بذلك سنحقق حصيلة بمليارات الجنيهات كل شهر يمكننا بها اقامة العديد من المدارس والمستشفيات والجامعات ونقضي بها علي التكدس الرهيب الموجود حاليا بالمدراس بعد ان وصلت كثافة الفصل الواحد في بعض المحافظات الي حوالي 100 تلميذ !! بينما لم تعد المستشفيات الحالية قادرة علي استقبال الاعداد الهائلة من المرضي الذين يتدفقون عليها كل يوم بحثا عن العلاج!!
قد يقول البعض ان اصحاب هذه الشقق والفيلات ليس كلهم من الاغنياء واصحاب الملايين وانهم لن يستطيعوا سداد هذه الضريبة .. وارد عليهم ان الاذي لايستطيع دفع الضريبة عليه ان يعرض شقته للايجار طبقا للقانون الجديد وبالتالي يساهمون في خفض قيمة هذه الايجارات التي وصلت إلي ارقام فلكية!!
يجب ان يدرك الجميع وعلي رأسهم الاغنياء والقادرون ان بلادنا تمر بظروف اقصادية صعبة منذ ان تعرضنا لاكبر مؤامرة استهدفت اسقاط البلاد بدأت في 25 يناير 2011 ومازالت مستمرة حتي اليوم ولولا ثورة الشعب في 30 يونيو 2013 لتحولنا الآن الي شعب من اللاجئين!
آن الاوان للحكومة ان تطبق الدستور الذي واقف عليه الشعب باغلبية كبيرة في عام 2014 وعلي رأس بنوده فرض ضرائب تصاعدية علي الاغنياء والقادرين بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية.
ونعرف جميعا ان اوروبا وامريكا لم تستطع تحقيق نهضتها الا من خلال القادرين والاغنياء الذين اقاموا المدارس والجامعات والمستشفيات علي نفقتهم الخاصة وقاموا بالتبرع بالمليارات من الدولارات لصالح بلادهم .. حتي وصلت الي ماهي فيه الآن من تقدم مذهل ومستوي معيشة رائع وتأمين صحي علي اعلي مستوي لجميع المواطنين ومستوي تعليمي مبهر.
آن الاوان لحكومتنا ان تقوم بفرض المزيد من الضرائب علي الاغنياء حتي يعيش الفقراء.
فرض ضريبة علي الشقق والقصور المغلقة لن تؤدي الي افلاس الاغنياء .. بل ستساهم في حل أزمة السكان واقامة المزيد من المدارس والمستشفيات لصالح الفقراء.
هذا المطلب ليس جديدا .. وطرحناه للمناقشة منذ سنوات ورحب به العديد من الخبراء والمتخصصين .. ومع ذلك مازالت الحكومة تصم اذانها وترفض الاستماع له وتنفيذه دون ان نعرف مبرراتها .. ولكننا لن نمل ولن نيأس من طرح هذا الاقتراح حتي يري النور .. وتتحقق المزيد من المليارات لخزانة الدولة توفر الحماية الاجتماعية للغلابة ومحدودي الدخل.
حفظ الله مصر وشعبها وقائدها من كل سوء