المساء
محمد جبريل
معني الكتابة
البداية السطور الأولي من الكتابة السردية. ربما تستعصي علي القلم . أكتب وأضيف وأحذف. أكتشف أن ذلك ليس هو المدخل المناسب. أو أنه مجرد كلمات تافهة. انشغل بغير الكتابة. أقرأ كتاباً أو صحيفة. أتأمل أطل من النافذة. أشاهد التليفزيون. أدردش فيما لا يفيد. تستفزني الرغبة في الكتابة. فأعود إليها.
لا يضايقني الرأي في عمل فني بأنه جيد أو رديء. مجرد النقد الانطباعي. أو الملاحظة الانطباعية. يفيد في التعرف إلي أبعاد لم يفطن إليها المبدع. هو رأي يصدر عن الفطرة. عن التذوق الشخصي وخبرة الحياة. النقد الفني يختلف عن ذلك كله. فهو يرفق مبررات القول بالجودة والعكس. لا يكفي أن نقول علي شيء ما إنه جميل. أو قبيح. لكن المهم أن نقول: لماذا هو قبيح أو جميل؟
أذكر زيارة أوسكار وايلد لمعرض تشكيلي. قال وهو يغادر المكان: هذا معرض سييء. استوقفه الفنان في غضب وقال له: من حقك أن تصف معرضي بأنه سييء. لكن من حقي أن أعرف مبررات هذا الرأي!
لو أن صاحب الرأي كان شخصاً آخر غير أوسكار وايلد ربما لم يطالبه الفنان بأن يبرر رأيه في لوحات المعرض. وهو تبرير يستند ــ بالضرورة ــ إلي ثقافة متعمقة. ليس في الفن التشكيلي وحده وإنما في كل ما يتصل بالإبداع الإنساني.
لا أتعمد الرمز أو التصريح كل عمل يفرض نفسه علي النحو الذي يختاره. ولعلي أفضِّل أن يكتب العمل نفسه. فأنا أبدأ كتابته وخاطري مشغول بفكرة أو رؤية أو تفصيلات غير محددة. وقد يغلف ذلك كله هلاميات لا تهب ملامح محددة. فيكتسب العمل ــ أثناء كتابته ــ ملامحه وتفصيلاته. وتتخلق شخوص وأحداث. ربما لم تكن في بالي حين بدأت الكتابة. لا أسمح حتي للكلمات الهامسة أن تشتت انتباهي. أحتفظ ــ ما أمكن ــ بقدرتي علي التركيز. فلا يتوه المعني. ما أكتبه ليس ألغازاً تحتاج حلاً. لكنه قد يكون إضماراً يحتاج تركيزاً وفهماً.
من الصعب أن أطالب القاريء ــ الذي ربما تكفيه متعة القراءة ــ بأن يطيل التأمل. والتفسير واستكناه الدلالات. لعل تعدد الدلالات مدخل جيد لتعدد الفهم والوعي الذي نتلقي من خلاله عملاً ما.
القاريء العادي غير مطالب إلا بمتعة القراءة. إضافة إلي فهمه الانطباعي للعمل. أما القاريء الدارس. الناقد. فإنه يعيد قراءة العمل. ويصدر حكمه عليه وفق قواعد يرتضيها. سواء بقناعته الشخصية. أو باجتهادات الآخرين.
سئل فوكنر: ماذا تقول للقراء الذين لا يفهمون أعمالك. رغم قراءتهم لها مرتين. وربما ثلاث. قال فوكنر: أقول لهم: اقرءوها مرة رابعة. ولعل هذا ما ينبغي أن يقوله كل كاتب لقرائه.
في المقابل من هذا الرأي يطالعنا قول الروائي الإنجليزي إتش.ج ويلز لجيمس جويس. عقب قراءته لرواية جويس "يولسيس": لقد تمتعت أنت بكتابة الرواية أكثر مما تمتعت أنا بقراءتها. لا وقت لدي لحل كل هذه الألغاز. أو أن أخصص لها ساعة من الساعات المتبقية في حياتي.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف