قالت.. ومشاعر حزن حقيقية تسيطر عليها: ولي زمن الشباب وبدأ خريف العمر. انتهت أوقات المرح والفرح والانطلاق. ليبدأ "اليأس" وأعراضه البغيضة.. اليوم بلغت الأربعين. وأكثر ما أثار غيظي وضاعف كآبتي أن الكثيرين تذكروا ذلك. العشرات اتصلوا بي, وكأنهم يخفون خلف التهنئة الظاهرة "شماتة" كامنة.
اليوم تعمدت النظر طويلا إلي صورتي المنعكسة علي المرآة. واكتشفت شعرة بيضاء. أو قل بعضا منها. وبداية تجاعيد خفيفة أسفل عيني.. تفزعني فكرة أن التجاعيد يمكن أن تكسو وجهي ذات يوم.. كنت دائما اشعر بالإشفاق علي كل امرأة تحمل آثار الزمن علي وجهها. فهل سيشفق علي الآخرون عندما يرونها علي وجهي؟.
محدثتي التي أسهبت في وصف مشاعرها غير السارة. اعتبرت أن بلوغ سن الأربعين نهاية العالم. أو نهاية حياتها. وهي ليست استثناء. بل جزء من قاعدة عامة سائدة في مجتمعاتنا العربية. وتراثنا زاخر بالأمثال والأشعار التي تؤكد هذه الحالة أو هذا الموقف المبدئي من تقدم العمر. مثل "ألا ليت الشباب يعود يوما.. فأخبره بما فعل المشيب".. وما فعله بالتأكيد كان شديد السوء لدرجة انه استحق قصيدة عصماء.. نحن نصف التقدم في السن بخريف العمر. والخريف هو فصل تساقط أوراق الأشجار وذبول الأزهار وكآبة الطقس.. الشيخوخة عند الكثيرين تبدأ في العقد الخامس. حيث يتوقف الطموح وتتراجع الأحلام وينتهي الاستمتاع بالحياة.
هذه المقدمة كان لابد منها. قبل التوقف أمام خبر عابر ربما يكون قد مر علي الكثيرين مر الكرام. أو اعتبروه مجرد نكتة "بايخة" لا تستحق الاهتمام. أو علي أفضل تقدير اعتبروا بطلة الخبر مجنونة تستحق الإشفاق وليست نموذجا يستحق الإعجاب.
يقول الخبر الذي عثرت عليه مصادفة بين أوراقي القديمة الصفراء أن "جدة" أمريكية يبلغ عمرها 97 عاما. عادت إلي مقاعد الدراسة من جديد. وأنها تستعد للحصول علي شهادة في الكمبيوتر من مدرسة ثانوية.. ويقول أيضا إن الجدة.. وتدعي جوستافا بينت.. كانت قد اضطرت لترك الدراسة وهي في الصف الرابع. لتساعد والديها في الأعمال الزراعية. وعندما اقترب عمرها من قرن كامل. شعرت بأن لديها الكثير مما تفعله. لم تستسلم لليأس. لم تعتبر نفسها خارج العصر الذي تعيش فيه. بل رأت أن من حقها أن تعيش حياتها وان تنمي مهاراتها. وهو ما تعبر عنه بقولها إنها حريصة علي تطوير أفكار جيدة في ذهنها. حتي لا يصاب عقلها بالضمور. وأنها تحرص علي نصح أحفادها بالاحتفاظ بعقولهم في حالة ذهنية مرتفعة.
سيدة في السابعة والتسعين من العمر تدرس الكمبيوتر في مدرسة ثانوية وتسعد بالحصول علي شهادة يحصل عليها من هم في سن أحفاد أحفادها. وسيدة تشعر باليأس والكآبة وانتهاء الهدف من الحياة لأنها بلغت الأربعين من العمر.. عندهم الحياة تبدأ بعد الستين وعندنا تنتهي في الخمسين.