الوطن
د. محمود خليل
محبة الوطن
كل شعوب الأرض شديدة الالتصاق بأوطانها، لكن المصريين حالة فى هذا السياق. فهذا الشعب بطبيعته شديد المحبة لتراب هذا البلد، عظيم الارتباط بأرضه، يجد فى حماية الوطن قيمة عليا من قيم الحياة، وربما فسر لك ذلك حالة الارتباط الوجدانى العميق التى تجمع بين شعب هذا البلد وجيشه. إنه أمر طبيعى للغاية. فقوام جيش مصر هو شعبها، وشعب مصر عند الملمَّات يتحول إلى جيش كبير يذود عن كل ذرة من تراب هذا الوطن. الناس فى مصر تختلف وتتعارض فى وجهات نظرها إزاء الكثير من الأحداث، لكنها عند الخطر تتوحد وتدعو لجيشها الذى هو بضع منها بأن يؤيده الله بنصره.

طبيعى أن يعتبر المواطن بمن يحمى الأرض التى يحبها. كل جزء من تراب هذا البلد، حتى ولو كان سنتيمتراً واحداً، لا يمكن لمصرى أن يسمح بأن يكون خارج سيطرته، أو أن يقع فى أيدى الأغيار. كل ذرات التراب الوطنى عزيزات على المصرى. عشية نكسة 1967 لم يغمض لمصرى جفن وتراب سيناء مدنس بأقدام الصهاينة. كانت مصر يومذاك تلملم جراحاتها، لم يتوقف أحد وقتها ليسأل: كيف حدث ما حدث؟ فالسؤال الأهم كان: كيف نسترد الأرض؟. من يراجع قصص المصريين فى سيناء بعد احتلال الصهاينة لها يعرف أن هذا البلد قاوم منذ اللحظة الأولى. كانت الأخبار تصل إلى جنود فى مواقع عديدة بصدور قرار بالانسحاب من سيناء، ورغم ذلك كان هناك من يصمد ويرفض تسليم الأرض التى يقف فوقها، حتى ولو كانت متراً فى متر، إنها لحظة آمن فيها الجندى الصامد أن الدفن فى البقعة التى يقف عليها خير له من أن يسلمها أو ينسحب منها. لعلك تقرأ ما تنشره الصحف ووسائل الإعلام من حين إلى آخر من حكايات حول جثث الشهداء الذين يتم العثور عليهم فى رمال سيناء، بعد عقود طويلة من النكسة.

الجندى المصرى حريص على الدفاع عن كل مواطن مصرى، وعلى قدر الحرص العظيم على الحماية تكون المحبة أيضاً عظيمة، والمساندة كبيرة. فى حرب بورسعيد عام 1956، خاض جيش هذا البلد وشعبه تجربة فريدة من نوعها حين اندفع الجندى إلى الدفاع عن المواطن، وتطوع المواطن لكى يدافع عن الجندى. وكلاهما كان شريكاً فى صد العدوان الثلاثى على مصر وتسطير صفحة خالدة من صفحات الالتحام الشعبى والمؤسسى دفاعاً عن أرض الوطن. المشهد نفسه تكرر فى معركة «السويس»، وهى واحدة من كبرى معارك حرب أكتوبر 1973، حين كانت المقاومة الشعبية ظهيراً للجيش فى معركته من أجل تحرير سيناء.

الجيش المصرى يخوض فى هذه اللحظات حرب تطهير لسيناء من جماعات الإرهاب التى هددت أمن المواطن السيناوى خصوصاً، والمصرى عموماً، وكدرت معيشته. ومؤكد أن كل جندى يشارك فى هذه المعركة يعلم أن النار التى تخرج من بندقيته مكانها صدور الأعداء دفاعاً عن أبناء الوطن. كل حبة رمل فى سيناء غالية على هذا الشعب، وقد كتب الله على هذه البقعة من الوطن أن تعطر دماء الشهداء كل ركن فيها، لتظل دائماً قطعة نابضة فى قلب الوطن.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف