»أزمة الثقافة المصرية مزمنة، لكن تدهورها بلغ درجة مخيفة تنذر بالسقوط، وقديما قيل إن بيزنطة سقطت تحت سنابك خيل البرابرة العثمانيين عندما انشغلت نخبتها بالجدل حول سؤال تافه: ما هو عدد الملائكة القادرة علي الوقوف فوق سن إبرة؟»، هكذا كتب أسامة الغزولي في مقاله »الشيخ والحجر وسن الإبرة» بالمصري اليوم 9 نوفمبر 2017. ثم أردف: »إني أسمع حوافر خيل البرابرة قادمة من الصحراء الغربية، من طريق الواحات، وعلي حدودنا الشرقية في سيناء، ومبحرة إلينا من أعماق المتوسط، شمالا، وزاحفة من أعماق إفريقيا،ولأن ثقافتنا تدهورت لهذا المستوي، فقد يرحب بعضنا بالبرابرة، لأنه يري بتعبير الشاعر السكندري كونستانتين كفافي، أن »البرابرة حل من الحلول».يا الله، لكأنه متبصر يقرأ الطالع ويري أن الحرب تحاصرنا من كل جهة وأن بعضنا مستسلم لا محالة، وهو يبشرنا بالسقوط كما بيزنطة. إلي هنا وفكرته لاتزال غامضة، ولعله أفصح عنها في مقال تال: »التطبيع مع إسرائيل: نعم ولا ولماذا؟» في المصري اليوم أيضاً الأربعاء الماضي إذ يقول:»إن كل شكل من أشكال التفاعل مع إسرائيل، بما في ذلك التعاون ضد الفوضويين المسلحين في سيناء، محكوم بأمرين اثنين: أولا، أن السلام خيار استراتيجي مصري لا رجعة عنه، وأن واجب الدفاع عن الحقوق الفلسطينية خاضع لهذا الخيار الاستراتيجي وليس العكس. وثانيا، أن شركاءنا الإقليميين، وأهمهم علي الإطلاق دول مجلس التعاون، مقبلون علي سلام شامل مع إسرائيل، وهذه مسيرة لم يعد ممكنا لنا أن نتخلف عنها». وبذلك كشف عن خبيئة ذاته المخاتلة وفكرته المراوغة، إنه التطبيع إذن، ليس فحسب وإنما التسليم للمشيئة الصهيونية كحل لابديل له، ولقد دافع في المقال عن زيارة سعد الدين إبراهيم لجامعة تل أبيب، واستنكر علي الطلاب العرب وبعض نواب البرلمان إدانتهم للزيارة، وأضاف بكل صفاقة:»أن جامعة القاهرة، وهي أهم جامعاتنا، تحتل المكانة 764 علي قائمة أفضل ألف جامعة في العالم، في حين أن جامعة تل أبيب ترتيبها الحادي والثمانون، وبالتالي فمن المصلحة أن تنضم جامعاتنا لقافلة التعاون، التي لا أستبعد أنها ستنطلق قريبا جدا، لتضم جامعات الخليج والجامعات الإسرائيلية الحديثة، إن قبلوا بنا معهم». وهنا سقط القناع عن الوجه المخادع وفكرته الحاكمة، فتعرت ذاته ومشاعره الدونية أمام التفوق الاسرائيلي المزعوم والذي صنعته آلة البروباجندا الصهيونية وأسست له بالذراع الطويلة والقوة التي لاتقهر مع أن جيشنا البطل هزمها ومرغ بسمعتها التراب في أكتوبر 1973. الغريب والمدهش أنه برر فكرته تلك بقوله:»لأننا يجب أن نفكر في الجار القريب والبعيد تفكيرا سياسيا لا تفكيرا حربيا، فهذا زمن الصراعات الأهلية لا زمن الحروب مع الجيران». وياله من منطق معوج يحبذ الحرب الأهلية مادامت تأتي بديلاً للصراع مع الجيران، يقصد إسرائيل. إذن فلنطبع ونتماهي مع السياسات الصهيونية، وإذا كان لابد من حرب فلنركز في الحرب الأهلية، هل رأيتم مثل هذا الطرح الغريب والعجيب والخطير من قبل؟. إنه الليكود الجديد يطور آلياته ويبدل وجوهه يشاغلنا ويلعب بأفكارنا ويضرب عزيمتنا ويشكك في قدراتنا ويسخر من توجهاتنا الوطنية، بينما نحن مشغولون بصناعة عدو مفترض إلي جانب أعدائنا الحقيقيين في الداخل والخارج نصمه بالخيانة والعمالة لمجرد رأيه المختلف، ولا نهتم لهذا الطابور الخامس الحقيقي من الليكوديون الجدد الذين يشنون حرباً شعواء علي عقولنا وقناعاتنا الوطنية مستغلين مناخاً إعلامياً كرس للبلاهة، يثري باروناته الجدد علي حساب تغييب وعي الشعب وتسطيح قضايانا في مرحلة حاسمة من تاريخنا النضالي.
في مقالات أخري بنفس الجريدة يعتبر الغزولي عدم استقبال السلطة الفلسطينية لنائب الرئيس الأمريكي نوعاً من الحماقة، فلا أحد يستطيع استبعاد أمريكا وإلا كان غبياً وعلينا الانضواء تحت جناحها والتسليم لها، لكأنه يطالب الفلسطينيين بالجلوس علي الخازوق طواعية والاستمتاع بالألم. وعندما كتب د. حسام عيسي كيف لايكون لجمال عبدالناصر تمثالاً بينما د. أسامة الغزالي يطلب لديليسبس تمثالا، رد عليه الغزولي بمقال آخر جاء فيه:» طرْح حسام عيسي لمسألة تمثال ديليسبس طرح ماضوي. أما أسامة الغزالي حرب فيعالجها بمنطق التصالح مع الماضي، وبمنطق التفهم لدور فرنسا الجديد في المنطقة. وهذه عقلية عملية راجحة ربما ورثها عن والده الذي أظن أنه كان مع والدي في عنبر واحد في مزرعة طرة، عندما حبسهما ناصر كإخوانيين سابقين». هذا هو أسامة الغزولي الصحفي والمترجم جاء في غفلة منا يتخفي قائلاً: »أنا مجرد صحفي لا هنا ولا هناك»، بينما هو قادم إلي صحافتنا من فرنسا وانجلترا علي طراد صهيوأمريكي يعيد برمجة عقولنا ويلعب في أفكارنا ويخاتلنا في هويتنا ومنطلقاتنا الوطنية ويكرس لدينا عقد النقص تجاه التفوق الإسرائيلي والسيادة الأمريكية، ويوقفنا علي سن إبرة، فهلا انتبهتم وعرفتم أن ملاعبنا مستباحة ووطننا مستهدف.