أسامة سرايا
التحرش التركى.. وضرب الإرهاب فى مصر
لم يكن آخر تحرش تركى بمصر مصادفة، فقد جاء متزامناً مع عملية سيناء 2018 الشاملة لاقتلاع وتفكيك بنية الإرهاب التى زرعت فى غفلة من الزمن المصرى، وفى فترة من أكثر الفترات المصرية اضطرابا ما بعد 2011 إلى 2013. عرفت مصر الإرهاب طوال السنوات الماضية، وقد أثر فى السياحة والاقتصاد مراراً وتكراراً، وأشاع أجواء من التوتر والمخاوف، وكنا قادرين على اقتلاعه وتحجيمه سريعا ودون تكلفة الحروب الشاملة. أما الإرهاب الجديد الذي نواجهه اليوم فهو مختلف كمًا ونوعًا عما واجهناه فى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، فالإرهاب الجديد جاء مسلحاً بقوة خارجية مساعدة وبتجنيد من قوة داخلية لا يستهان بها، وقد عملت فى الظلام سنوات طويلة. وقد كانت هناك تقديرات بأنها لن تلجأ إلى العمالة الشاملة والخيانة الكبرى للبلاد والشعب من أجل سلطة، يجب تداولها بسلمية، وبرضا وتوافق الشعب وإلا تحولت إلى حرب واستعمار واستقواء أقلية يتم تجنيدها من الخارج لصالح مستعمر يحتل البلاد ويفرض نفوذا أجنبيا على الشعب المصري بالقوة العسكرية، وهذا ما حدث تماماً.
لم تكن الجماعات المتأسلمة راغبة في السلطة فقط بل تم تجنيدها لصالح قوة إقليمية كبرى هى تركيا وبتمويل قطرى مفتوح لاحتلال مصر عسكرياً وفرض النفوذ التركى- القطرى على المصريين بقوة وتسليح ميليشيات قادمة من الخارج، وكانت جماعة الإخوان المسلمين بنيتها الأساسية فى الداخل، وقد حصلت على توافقات وموافقات بمفاوضات سياسية من بعض القطاعات في الحكومة الأمريكية، وبالذات من وزارة الخارجية فى عهد باراك أوباما، وقد كانت الخارجية الأمريكية تظن أن الإخوان المسلمين قادرون أو مؤهلون لحكم مصر فشجعتهم على ذلك. وعندما تردد بعضهم وتخوفوا من الترشح، جاءت الرسالة من واشنطن بأنها فرصتكم الأخيرة وإذا لم تحصلوا على الحكم اليوم فلن تحصلوا عليه فى أى وقت قادم. وفهمت دوائر الإخوان المسلمين الرسالة وتحركوا للسيطرة على الشارع المصرى وإدارته، وتفننوا فى السيطرة على البرلمان ثم اتجهوا إلى تخويف القوى السياسية وفرضوا عليها مرشحا إخوانيا مغمورا للرئاسة لا يعرفه أحد، حتى يكون الإخوان قادرين على التحكم والسيطرة وإدارة الرئاسة وكل أجهزة السلطة فى مصر، ثم اتجهوا بعقلية تخريبية شاملة وبنصائح إقليمية وتمويل خارجى إلى كل جماعات وأذرع الميليشيات فى سيناء، وقطاع غزة. ولذلك فإن الحرب الراهنة رصدت كل هذه التجمعات وقررت تفكيكها والقضاء عليها، فنحن مقبلون على تحولات اقتصادية كبيرة فى سيناء، ولا يمكن أن يظل هذا الجزء الغالى الذى حاربنا عليه بعيدا عن الوادى، فدماؤنا على أرضه لا تزال ساخنة ولم تجف بعد، وقد تفاوضنا لتحريره حتى الرمق الأخير، وتم تحصين حدودنا عسكرياً وسياسياً وإقليميا، ولا يمكن أن نتركه لمغامر هنا أو هناك أو لراغب فى سلطة إقليمية أو لباحث عن زعامة وهمية، جرب أن يفعلها فى غزة ولبنان ونجح، فتمادى، وتصور أن مصر ستكون جزءاً من هذه الحالة المقيتة فى تاريخ العرب. ما يحدث فى سيناء وفى ربوع مصر هو إشارة كبرى للكل بأن المصريين قادرون على القتال فى كل الجبهات وسيردون على العبث التركى فى البر والبحر والجو.
إن تركيا تحركت عندما أدركت العزم المصرى على شن حرب شاملة فى كل أنحاء الجمهورية لاقتلاع إرهابييها الذين زرعتهم بمعرفتها أو بمعرفة الجماعات المتأسلمة، فأظهرت عدم اعترافها باتفاقية ترسيم الحدود بين مصر وقبرص، وهددت بالتأثير على العمليات الجارية فى استخراج الغاز من حقل (ظُهر)، وعندما وجدت الرد المصرى جاهزا تصورت أن هذه التهديدات ستشغل مصر عن الرد والبدء فى حملة التطهير. ولكن جيشنا الباسل وقياداتنا الواعية تعرف الأولويات ولم تشغلها تلك الألاعيب أو التهديدات عن صياغة تحركها وسياساتها، وبقى أن يكون الرد الشعبى أو رد المنظمات والأحزاب المدنية والشارع المصرى متزامناً مع هذا التحرك الكبير والمؤثر فى مستقبل مصر وفى ضرب الإرهاب والتطرف والعملاء إلى الأبد وقطع دابرهم من القطر المصرى.
ما أعنيه هو أننا فى حاجة إلى إرسال رسالة مؤثرة إلى الشعب التركى تساعده فى التخلص من عصابة أردوغان، وفى سرعة التحرك لحساب بلاده ومنطقته ولتكن رسالتنا بسيطة، وهى أننا لن نستورد أو نستهلك السلع التركية، ورغم محبتنا لهذا الشعب فعليه أن يدرك أنه سيكون أكثر المتأثرين من سياسات أردوغان، فهو وسياسته الحمقاء لا يهدد مصر فقط بل إنه فتح باب الجحيم بالعداء والدخول لاحتلال عفرين ومناطق الأكراد السوريين. فأردوغان يلعب بالنار فى الشرق الأوسط، ويستغل المناطق الرخوة فى المنطقة ليعيد استعمارها من جديد، ويغامر بروح عدائية لا يقبلها الإنسان العربى المعاصر فى كل مكان! ما يحدث فى سوريا يؤثر علينا، وقد فتحت تركيا وإيران الأبواب للميليشيات الدينية والجماعات المسلحة فى المنطقة لتصدير حروب واسعة مستمرة، وعلى المنطقة أن تتجاوز ما يحدث بأسرع ما يمكن. أما فى مصر فيجب أن نتحد شعباً وجيشاً فى الحرب التى بدأت لاقتلاع الإرهاب والتطرف والاستعداد لما هو قادم وقد يكون هو الأصعب.