الوطن
د. محمود خليل
الهيبة الإسرائيلية المزعومة
إسرائيل أصبحت يوم السبت الماضى على معادلة جديدة فيما يتعلق بعربدتها المتواصلة فى المنطقة، وخصوصاً داخل سوريا. ففى إطار هجوم إسرائيلى زعمت «تل أبيب» أنه يتم رداً على اختراق طائرة بدون طيار (إيرانية الصنع) لأجوائها، تمكنت الدفاعات السورية من إسقاط طائرة إسرائيلية من طراز «إف 16»، أصيب أحد طياريها جراء القصف بإصابات بالغة، ونجحت الدفاعات السورية أيضاً فى إسقاط ستة صواريخ إسرائيلية كانت تستهدف نقاطاً للجيش السورى بريف دمشق الجنوبى.

تستطيع أن تقف على ملامح المعادلة الجديدة حين تسترجع هرولة المسئولين بتل أبيب إلى الاتصال بكل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية للنظر فيما حدث. رد روسيا جاء متعاطفاً مع سوريا، ورافضاً لأى تصعيد من جانب إسرائيل يهدد العسكريين الروس فى سوريا. فى الوقت نفسه خرج مسئولو الحرس الثورى بإيران يؤكدون أن «الزمان اختلف»، وأن العربدة العسكرية فى سماء سوريا سوف تفتح أبواب جهنم على المحتل الإسرائيلى. الموقف الإيرانى بدا قوياً، فى حين اتسم رد فعل إسرائيل بالتراجع، ولا أحد يدرى حتى الآن هل يمكن أن تتطور الأمور بالمنطقة بعد هذه الواقعة النوعية أم أن الأطراف الدولية سوف تتدخل لاحتوائها، وترميم ما حدث؟.

فى كل الأحوال سوف تظل إسرائيل قلقة من الوجود الإيرانى فى سوريا. وقد قامت فيما سبق بعمليات عسكرية متنوعة ضد التمركزات العسكرية الإيرانية، لكن الأمر اختلف يوم السبت الماضى، حين جاء الرد على إسرائيل سريعاً وحاسماً. المسئولون فى تل أبيب يعلمون أن فتح صراع موسّع وكبير داخل المنطقة محفوف بالعديد من المخاطر. فوجود إيران كطرف فى الصراع يدفع الإسرائيليين إلى مراجعة حساباتهم جيداً. وثمة خطر آخر قادم من «حزب الله» الذى يمثل ذراعاً مهمةً من الأذرع الإيرانية فى أية مواجهة مع إسرائيل. وقد أعلن الحزب رفع درجة الاستعداد عقب إسقاط الطائرة الإسرائيلية. وعلينا ألا ننسى أيضاً الموقف الروسى الداعم للوجود الإيرانى فى سوريا.

نحن أمام مشهد يقول بأن أوراق لعبة المواجهات العسكرية بالمنطقة يعاد ترتيبها. الهيبة العسكرية والسياسية المزعومة لإسرائيل اهتزّت كثيراً بعد سقوط الطائرة. هذا الحدث لم يقع منذ عقود، تعودت فيها إسرائيل أن تضرب دون رد. إسقاط الطائرة يؤشر أيضاً إلى توافر أسلحة إيرانية لدى سوريا تمكنها من إيجاع إسرائيل بصورة غير مسبوقة. فى كل الأحوال نحن بصدد حدث نوعى، سيكون له تداعيات خطيرة على المنطقة. ورغم وجود مؤشرات على رغبة إسرائيلية - دولية فى احتواء ما حدث والحيلولة دون التصعيد، إلا أن إسرائيل تعلم أن مرور هذا الحدث مرور الكرام يصب فى مصلحة إيران، وسيدعم من فكرة أن وجودها فى سوريا أمر واقع، وهى مسألة لن تمررها إسرائيل بسهولة.

يبقى أننا أمام مشهد جديد يستوجب من كل دول المنطقة إعادة تقييم موقفها من أطراف الصراع، خصوصاً الطرفين الإسرائيلى والإيرانى. وقد شهدت الأشهر الماضية تقارباً عربياً محسوساً مع إسرائيل، فى ظل معادلة اعتبرت إيران عدواً أخطر على العرب من إسرائيل، وهى معادلة تستحق المراجعة، خصوصاً أن أى حرب متوقعة فى المنطقة ستتعدد محاورها وأطرافها الإقليمية والدولية، وستطال نيرانُها الجميعَ. وهناك من سيفرح بذلك ويجد فيه صالحه!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف