أنور عبد اللطيف
آسف يا والدى.. هذه خفايا «سيناء 2018»
لم أتعود أن أراه بهذه الصفات هادئا جدا يمشى على أطراف أصابعه كالريشة رغم جسمه الفارع وقوامه المدكوك، فى جلستنا اليومية كنا نتبادل الأفكار وعادة أسأله عن معلوماته وخفايا مايجرى فى اليمن وسوريا وسيناء، فتأتى إجابته فى الشأن العربى حاضرة ومتفلسفة، بالمعلومات والأشخاص والأبعاد وكأنه قادم للتو من حلب وصنعاء وحضرموت، هذه المرة وجدته شاردا، حين سألته عن (سيناء 2018) بحكم الأهمية وأنه عاش بسيناء عشر سنوات مراسلا ويعرف ناسها وعواقلها وشيوخها، جاءت إجابته فى شكل رجاء بعدم نكء الجراح وقال: أدعو لأولادنا هذه المرة بالنصر، فقد مر يومان لم أسمع صوت «طارق» ابنى فهو أحد ضباط القوة الأمنية بالعريش، قلت طبعا أعرف طارق وأثق فى معنوياته قدر ثقتى فى أبطال جيشنا العظيم، قال: لا من هذه الناحية اطمئن أولادنا على درجة عالية من الإعداد النفسى والقتالى وكان طارق يتصل بنا دائما يرفع معنوياتى ويطلب منا الصمود، وأضاف: ضعفت مرة كأب أمام خوف أمه وعرضت عليه أن أتوسط بنقله إلى وحدة بعيدة عن سيناء، قلت: وماذا كان رده؟
قال: هل تتذكر التعبير الذى يستخدمه دائما الرئيس السيسى «نموت أحسن قبل أن يمسها أحد بسوء» ، قلت طبعا، قال: الرئيس وهو يقرأ ما يجرى فى نفوس أفراد القوات الأمنية من الجيش والشرطة، لا أنسى حين اتهمتنى نظرته بالتقاعس، غير مصدق تخاذلى، وهذا هو الشعور العادى عند طارق وكل الضباط والجنود الموجودين على جبهة سيناء، طارق لقننى درسا يومها: كل من يحتفظ بابنه فى حضنه لا يستحق شرف المواطنة، ولا أن يفتخر به الرسول يوم القيامة بأنه كان من خير أجناد الأرض، فالمصرى الشريف الأصيل لن يكون كذلك إلا إذا حارب وانتصر، فالشهادة وحدها لاتكفينى وخير الأجناد الذين يباهى بهم خير البشر هو من يهزم عدوه وينتصر ويعيش.. ينتصر ويموت.. أشرف لنا نطلب أى دولة أجنبية ترسل قواتها لتفرض علينا الحماية، وساعتها لا نستحق أن نكون مصريين لأن هذا قدر مصر ورسالتها للعالم ..تحارب من أجل وجودها ورسالتها، لقد حصلنا على دورات وبيانات تدريب ومحاضرات وخطط وخرائط حتى عرفنا مكان دبة كل نملة فى ميدان العمليات ..فكيف تحرم كتيبتى من جهودى ..اسف ياوالدى هذا التفكير يصل لدرجة عدم الأمانة!
ماقاله طارق لوالده قالته صحيفة لوموند فى يونيو عام 1972 «ان الجيش المصرى من الآن فصاعدا لن يحارب من الذاكرة وإنما يحارب بالخريطة والمسطرة عن معرفة ومتابعة وعلم ودراية» كان ذلك تعليقا على صدور كتاب محمود عوض «اعرف عدوك»، إذ اعتبروا وقتها أن معرفة العدو بداية الانتصار، وبعد ذلك بستة عشر شهرا عبر هؤلاء الجنود القناة فى 6 ساعات وشنوا هجومهم المباغت على مفاصل جيش الاحتلال حتى أفقدوا العدو توازنه. والمواجهة التى تحدث اليوم ضد أعداء الدولة من الإرهابيين والطامعين والمتربصين تتفوق فى صعوبتها على المواجهة التى حققت النصر فى أكتوبر 1973.. فلكل زمان تحدياته ـ قلت لوالد البطل طارق ـ إن شاء الله يعود منتصرا وتنجح قواتنا فى تحرير سيناء، فقال طلبت منه أن نتم زفافه قبل السفر.. فقال إن عدت منتصرا ستكون فرحتى فرحتين.. وإن استشهدت فلا تقيم سرادقا ولاتقبل العزاء، وعندما زاد إلحاحى عليه لقننى درسا فى الوعى السياسى بما يجرى، وقال: هل توافق على أن نظل فى حالة شجار وانقسام واستقطاب بين من سيحضر للتصويت فى انتخابات الرئاسة المحسومة ومن يطالب بمقاطعتها وننسى سيناء؟ وهل ننتظر حتى نصحو على تفويض أمريكى جديد لجيش نيتانياهو بمحاربة داعش فى سيناء.. وهل تريد أن تمضى مهلة الأشهر الثلاثة التى منحها الرئيس السيسى لرئيس الأركان فريد حجازى لتصفية البؤر الإجرامية بسيناء دون أن ينجز الجيش مهمته؟ وهل تقبل أن تحرك تركيا قطعا من أسطولها البحرى تجاه مياهنا الاقتصادية الخالصة فى شرق المتوسط حيث حقل ظهر فى نفس الوقت الذى هدد فيه وزير خارجيتها مولود جاويش بعدم اعتراف تركيا باتفاق ترسيم الحدود بين مصر وقبرص؟ وهل توافق أن تبقى المصالح الاستراتيجية المصرية مهددة من منابع المياه حتى آبار الطاقة وتبقى حدود مصر الغربية مفتوحة لمرور الأسلحة والمواد المتفجرة والمخدرة والعتاد للجماعات الإرهابية فى الجحور بلا درع وسيف يردعها؟ وهل يرضيك أن تبقى الكنائس والمساجد عرضة للهجوم عليها بين وقت وآخر مهددة من الجماعات التكفيرية فيسقط فيها العشرات والمئات من الضحايا والمصلين الأبرياء؟
انتهى حديثى مع «أبو طارق» ولم ينته الدرس ، بأن «سيناء 2018» معركة وجود مصرية بالنسبة للجيش تستخدم فيها أحدث أساليب الحرب الذكية، وليس مجرد استخدام ـ «القوة الغاشمة» فى مواجهة تنظيمات وجيوش مؤجرة وغبية !