المصريون
جمال سلطان
الإخوان وأبو الفتوح والعقدة القديمة
علق الإخوان بغضب على الحوار الذي أجراه الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية مع قناة الجزيرة ، وانتشرت التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي بصورة مبالغ فيها ، قسوة وتجريحا وإهانة واتهامات ، رغم أن أبو الفتوح لم يمس الإخوان بشيء ذي بال في الحوار ولا كان مشغولا بنقدهم ، والحقيقة أني لم أفاجأ بتلك الغضبة ، لأن هناك حالة كراهية عجيبة من الإخوان لشخص أبو الفتوح ، وحالة نفور واسع منه ، وبشكل عام أي شخصية تغادر جماعة الإخوان ويكون لها شأن فإن الجماعة تعتاد أن تطلق عليها قذائف التشهير من كل صوب ، باتهامات لها ظلال دينية أحيانا وأخرى لها ظلال سياسية وأخرى أمنية ، فهو منتكس وهو طامع وهو أمنجي وهو خائن وهو متواطئ وهو بائع دينه بدنياه ، إلى آخر هذه النوعية المحفوظة في أدبيات التشهير عند الإخوان والتي لحقت بكل من غادر الجماعة ، ويبدو أنها نوع من آليات الدفاع الذاتي لقيادات الجماعة لتحصين أفرادها من التأثر بهذه القيادات المغادرة ، وخشية أن يتبعهم آخرون ، غير أن أبو الفتوح كان حالة أكثر خصوصية حسب تجربتي في هذا الموضوع .
عندما قرر المجلس العسكري في 2012 إنجاز انتخابات الرئاسة ، كان قرار الجماعة المعلن والمؤكد أنهم لن يخوضوا هذا المعترك وأن الجماعة لن تنافس على منصب رئاسة الجمهورية ، وكان أبو الفتوح مختلفا في ذلك ، وعندما أعلن ترشحه شنوا عليه حربا ضروسا من التشهير ، وأذكر أن بعض الإعلاميين المحسوبين على جماعة الإخوان زاروني ليستطلعوا وجهة نظري عن المرشح الأنسب لكي ندعمه في الانتخابات ، وبعض هؤلاء خارج مصر الآن ، وكان هناك من المرشحين حمدين صباحي والشيخ حازم أبو إسماعيل والدكتور سليم العوا وآخرون ، فقلت لهم أن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح هو الشخصية الأقرب ، لأنه نقطة التقاء بين التيار الإسلامي والتيار المدني ، وما إن ذكرت اسم أبو الفتوح حتى انتفض إعلامي إخواني كبير من جلسته بغضب شديد وقام واقفا وهو يشير بإصبعه هاتفا : لا ، أبو الفتوح لا ، ووافقه الباقون ، وكنت مندهشا من المشهد ، وقلت له : اجلس ، لماذا تتعصب ، وما هي تحفظاتك على أبو الفتوح ؟ ، لم يجبني بشيء ، إلا الإصرار على اختيار أي أحد آخر غير أبو الفتوح ، فأدركت أن هناك عقدة مرضية بين الجماعة وأبو الفتوح .
بطبيعة الحال ، نقض الإخوان تعهدهم بعد ذلك وقرروا خوض الانتخابات ولم تعجزهم التبريرات ، لأنهم يمتلكون درجا فيه أرشيف واسع لنماذج تبرير الشيء ونقيضه ، ودفعوا بالمهندس خيرت الشاطر ثم الدكتور محمد مرسي ، وكان قرارا بالغ السوء والخطورة ، وأذكر أن الأستاذ فهمي هويدي كتب صبيحة هذا الإعلان مقالا عنوانه "هل وقع الإخوان في الفخ" ، وعلق عليه القيادي الإخواني الدكتور محمد البلتاجي بقوله : نعم ، لقد وقعنا في الفخ ، وكان ذلك قبل أن تجري الأمور بما جرت وتنتهي إلى ما انتهت إليه .
بعد عدة أشهر من فترة حكم الدكتور مرسي ، كنت أكتب ما أراه صالحا للبلد وثورتها ، واقترحت أن يفي الإخوان بتعهدهم ويتولى شخصية من التيار المدني المشارك في ثورة يناير رئاسة الوزارة ، وأذكر أني اقترحت اسم الدكتور محمد البرادعي ، فكان أن تعرضت للاتهامات والسباب أنا والبرادعي معا ، كما تساءلت عن سبب تجاهل الرموز التي برزت في ثورة يناير من قبل مؤسسة الرئاسة ، فقالوا مرارا أنهم عرضوا عليهم المناصب لكنهم رفضوا ، وكرروا حكاية أن الدكتور مرسي عرض على أبو الفتوح تولي منصب نائب الرئيس إلا أنه رفض ، وكنت أستغرب من ذلك ، وذهبت إلى الدكتور عبد المنعم مع زميلين صحفيين لإجراء حوار صحفي معه نشرناه في حينه بالمصريون ، وسألته بنفسي سؤالا مباشرا : يا دكتور عبد المنعم لماذا رفضت منصب نائب رئيس الجمهورية عندما عرضه عليك الدكتور مرسي ؟ فاستغرب وقال لي : من قال لك هذا ، قلت قيادات الإخوان وإعلاميوهم يرددون ذلك ، فقال لي : سأجيبك ، لكن لا تنشر الإجابة في الوقت الحالي حتى لا تفسر خطأ ، وقال أن كل تلك أكاذيب تروجها الجماعة ، ولم يعرض علي أي شيء ولا منصب ، ولا توجد هناك أساسا اتصالات ، وأضاف أنه عندما جرت الجولة الثانية من الانتخابات وخرجت منها وانحصرت المنافسة بين شفيق ومرسي ، أعلنت أني سأصوت للدكتور مرسي ، وظلت الجماعة على اتصال يومي بي طوال فترة الإعادة ، وبعد إعلان النتائج انقطعت الاتصالات تماما ولم يتصل بي أحد منهم نهائيا حتى يومنا هذا ، وكان قد مضى على الانتخابات قرابة ثلاثة أشهر .
الحقيقة أن الإخوان كغيرها من الجماعات أو الأحزاب ، يمكن أن تنتقد منها أشياء أو تتعدد وجهات النظر في مواقفها ، إلا أن أمرا واحدا يحيرني دائما في شأن هذه الجماعة تحديدا ، حتى بين الجماعات الإسلامية ، وهي قدرتها على اكتساب العداءات مع القوى السياسية والآخرين بسهولة ، إنهم بارعون جدا في صناعة حالة من الكراهية مع أي مختلف معهم ، ولا يوجد تجربة سياسية واحدة تماسوا فيها مع قوة سياسية أو تحالفوا مع حزب أو جماعة إلا وانتهت إلى مرارات تاريخية وفقدان ثقة ومصداقية ، ولا يفكرون أبدا في مراجعة أخلاقية أو حتى سياسية شجاعة للأخطاء ، ولا تجد في أدبياتهم اعترافا بخطأ واحد محدد ، منذ عبد الناصر إلى يومنا هذا ، ويملكون براعة في صناعة ستائر كثيفة من المظلوميات تغطي على أي مطالب بالمراجعة أو التصحيح ، لذلك تتكرر أخطاؤهم السياسية أحيانا بحذافيرها ، وتدفع أجيال من شبابهم الثمن ، كما ظلوا طوال نشأتهم في ما يشبه القوقعة السياسية أو "الجيتو" السياسي ، كيان خاص يمكن أن يلعب من بعض النظم السياسة على أوراق مصالح تخصه تنظيميا ، ولكنها لم تكن يوما من الأيام في إطار الحركة الوطنية المصرية الجامعة ، بل كانت عبئا ونزيفا سياسيا أضعف التطور الديمقراطي في مصر .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف